الجمعة، 1 أكتوبر 2010

الحرس الخاص وتطوير "قوقعة" السلفية


* محمد عايش
ما الذي يتوقع الرئيس علي عبدالله صالح أن نحمده عليه: اهتمامه بتحفيظ القرآن الكريم، أم تحويله وحدات الجيش إلى كتائب سلفية؟
 بإمكان الجندي في الحرس الخاص أن يحفظ القرآن في 15 يوما، فالمعجزات تحدث، لكن المعجزة التي لن تحدث هي قبول الرئيس بفكرة أن الجيش الوطني المطلوب لليمن هو شيء آخر غير مدارس التحفيظ أو جمعيات السلف الصالح، ولو كان ممكنا له التعامل مع هذه الفكرة في أي وقت لكان هذا هو الوقت المناسب تماما: فهو يعرف أن أبرز ما يرصده العالم من أسباب مشارفة نظامه على الانهيار، هو ضعف، أو تلاشي، قدرات المؤسسة العسكرية والأمنية.. إنه الضعف الذي نشأ، بالإضافة إلى الفساد والمناطقية، عن التحالفات الدينية وزرع الجماعات السلفية داخل المؤسستين.


 غير أن علي عبدالله صالح لا يستطيع أن يكون إلا علي عبدالله صالح، ولذلك أطل على مواطنيه، الأربعاء، يوزع شهائد التخرج لأفراد الحرس الخاص الذين حفظوا القرآن خلال 15 يوما في دورة رعتها جمعية سلفية. وفي الفعالية وجه الرئيس دائرة التوجيه المعنوي بالتنسيق مع رئيس هذه الجمعية لتعميم التجربة على مختلف وحدات الجيش والأمن.
الحدث، على خفته، يعكس استمرار السياسة الرسمية في الإبقاء على الحالة السلفية في اليمن كورقة أمنية، ولا أحد يكابر اليوم حيال حقيقة أن التوظيف الأمني للسلفيين كان المرحلة الأولى من التخصيب للقاعدة؛ التنظيم الذي يعد فقط التعبير الأعلى للعنف الكامن في عقائد هذا التيار.
 كلما اقتربت الدول الكبرى من الرئيس صالح بهدف مساعدته، على اعتبار أنه الحليف السيئ الذي لا بد منه، كلما كبرت مخاوفه وعبرت عن نفسها بوضوح، فبالتزامن مع الفعاليات الحثيثة لمجموعة أصدقاء اليمن، يستمر الرئيس في إعادة (أو تطوير) مشروع القوقعة السلفية التي يجدها الأنسب لحمايته من عواقب الضغوط الدولية. وما إن انتهى من إطلاق المسيرة "القرآنية /السلفية" داخل الجيش والأمن حتى أعلن عن تشكيل "لجنة العلماء المرجعية"، وهي أحدث مظاهر الانقلاب على المؤسسات المدنية في اليمن.
 هل هذا هو الاستعداد الرئاسي لمواجهة خطر أفغنة اليمن؟ ربما، وحين نصبح "أفغانستان" لن يكون هناك من هو أكثر قدرة من صالح على قيادة النسخة اليمنية من طالبان. الذهاب بعيدا في مثل هذا التحليل يجلب الصداع، والأنسب التعامل مع الأمر بالبساطة نفسها التي تتصف بها شخصية قائد الحرس الخاص، طارق محمد عبدالله صالح.
ميل طارق نحو استقطاب السلفية، كما تعكسه هذه الفعاليات، لن يقود إلى وراثة سلسة لتجربة الفرقة الأولى واللواء علي محسن، وكلنا نعرف إلى أين انتهت هذه التجربة وإلى أين تمضي؛ بل سيؤدي إلى تفخيخ ما تبقى من أمل في إنقاذ المؤسسة العسكرية، وإنقاذنا معها، من واقع العجز والانهيار المحمولين على جناح التذاكي وعدم الشعور بالمسؤولية.
 وإن كان طارق يعد نفسه ليصبح قائدا عسكريا بوزن ثقيل، فإن ما يتبناه الآن يتناقض مع ذلك، إنه بالأحرى نوع من التدمير المبكر للسمعة المهنية، والحصاد سيكون نسخة أخرى من علي محسن أو حسين وحميد الأحمر، وغيرهم من الشخصيات ذات العلاقة بالإسلام السلفي.
 لو كان من وقف إلى جانب الرئيس عند توزيع شهادات الحفاظ هو مرتضى المحطوري، لتحدث الجميع عن "بعد غير وطني"، أو لأشار البعض إلى "اختراق حوثي" للجيش، وهو رد فعل منطقي ينبغي أن يحدث أيضا تجاه حالة الشراكة العسكرية هذه مع رجل دين من الضفة الأخرى، وليس الهدف إلغاء التمايز الطائفي، بل ما هو أهم: الحفاظ على الاستقلالية الكاملة والضرورية للجيش عن أي تأثيرات خارج الانتماء الوطني، سيما تأثيرات الدين السياسي.
سلفنة الوحدات العسكرية أو تشييعها، مزيدتها أو صوفنتها، أو إخضاعها لأية صيغة من صيغ الأيديولوجيا الدينية، يعني ببساطة إلباسها لبوسا غير وطني، ومنحها عقيدة قتالية لا تقوم على مبدأ "الوطن أولا" بل على تصورات كونية "ما فوق وطنية" (أو تتعالى على الوطنية) كتهويمات السيطرة على العالم و"حمل الناس على دين الحق"، وهذا يؤدي بالجيش إلى العيش داخل الأساطير ما يفضي إلى ضعفه وعدم فاعليته، فضلا عن النتيجة الأسوأ: تحويل المعسكرات إلى بيئة لإنتاج المتطرفين أو إلى نافذة مفتوحة لمختلف الاختراقات.
وحين يصبح الجيش ثكنات لأكثر نسخ الدين عنفا وتطرفا، فإن الوطن لا يعود يتسع إلا لرجلين: محتسب في الله، أومقتول لردته. ولا شيء أبدا يوقف لا أخلاقية الدين المتطرف ونزوعه التطهيري لكل من ينتمي للون مختلف.
 إن هذا هو أحد وجوه كارثة إسقاط "الوطنية" عن أية وحدة عسكرية عدا عن الجيش برمته، ويمكن قراءة هذه الكارثة في ثنايا مشهد كاريكاتوري يجمع العميد علي الشاطر بالشيخ أبو الحسن الماربي على طاولة واحدة لتدارس آخر خطط التعبئة العسكرية (أليس هذا فحوى التوجيه الرئاسي الأخير لدائرة التوجيه؟).

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

مش عاجبكم شي

بالعكس هذي احلى خطوه قام بها يمكن الجيش يتعلم ويتدبر القرآن ويعرف الحق من الباطن
وانتم خليكم في قوقعتكم الامريكيه

أحمد المساوى يقول...

الأستاذ محمد عايش صحفي يمني بعقلية نابهة وفكر مستنير أستغرقتني متابعتك وأرهقني التطلع إليك أحييك على هذا القلم النقيء وجميل أن يستمر عطاؤك وسيؤتي ثماره عاجلا أو آجلا فتحياتي