السبت، 17 نوفمبر 2007

النسخة الأصلية من محمد عزان

* محمد عايش

هناك دائما ، أكثر من مفتاح لفهم أي قضية غامضة، وبالنسبة لحرب صعدة الملتبسة حتى الآن على الأغلبية الساحقة من اليمنيين ؛ فإن واحدا من المفاتيح الهامة لفهمها يبدأ بفهم ظاهرة لصيقة بها: ظاهرة محمد عزان .
العدد الماضي من "الشارع" كان السيد عزان مفيدا وهو يرد على موضوعي بشأن العلامة المؤيدي، لقد تكرم بوضع النقاط المناسبة لسحب الظاهرة ، التي مثلها منذ منتصف التسعينات ، إلى دائرة الضوء .
ما طبيعة هذه الظاهرة ، كيف أنتجت نموذجا خصبا للحركيين الدينيين الذين انخرطوا في صراعات السطلة ضد خصومها ، هل عزان معتدل فعلا أم متطرف وماذا تقول كتبه وأنشطته بهذا الشأن ، والأهم أين موقع هذه



 الظاهرة من أحداث الحرب في صعدة والإبقاء على أسباب الصراع قائمة.
لكم الآن اكتشاف جانب من منطقة معتمة في الجغرافيا الدينية والسياسية لليمن.


الإمامة من موقعين
قلت في قراءتي المنشورة في "الشارع" إن المؤيدي يعتبر شرط البطنين في قضية الإمامة "مسألة استدلالية وليست ضرورة من ضرورات الدين أي أن تجاوزها ممكن ولا مشكلة دينية في ذلك" ، إستشهدت بنص له ادعى عزان أنه "مبتور من سياقه" ولا يعبر عن ما أراده المؤلف.. لم يكن النص مبتورا لقد كان فقرة كاملة وواضحة جدا في التعبير عن الفكرة ، عزان أراد المكابرة فقط لكنها كانت مكابرة غير ذكية ؛ إقرؤوا الآن ما كتبه ثم اقرأوا نص المؤيدي الذي استشهدت به ستجدون أنه يرد مباشرة على عزان:
يقول عزان " فشيخنا بقي طوال حياته متمسكاً بما مضى عليه أكثر أسلافه من أن المسألة دينية، بل من أمهات مسائل أصول الدين ، وأنه لا يصح بدونها إمامة إمام".
ضعوا خطا تحت "لا يصح بدونها إمامة إمام" ثم اسمعوا للمؤيدي وهو يقول " مع هذا فأهل البيت يعاملون من تولى( الحكم ) من غيرهم ، وسار بالعدل وأقام أحكام الشريعة أحسن المعاملة ، كعمر بن عبد العزيز ، وإنما يجاهدون من جار وظلم المسلمين . هذه سيرتهم من عهد أمير المؤمنين عليه السلام ، فمسألة المنصب( البطنين ) عندهم استدلالية ، وليست من ضروريات الدين" ( التحف شرح الزلف، 452) .
هكذا المؤيدي صريح بأن ما من مشكلة في أن يتولى الحكم أي حاكم "عادل" "مقيم للشريعة" ، ذاهبا لحد أبعد حين يؤكد على أن هذا ليس موقفه فحسب بل موقف كل "أهل البيت" منذ الإمام علي بن أبي طالب.
يتجاوز عزان هذا الوضوح ، ليلجأ إلى إيراد نصوص للمؤيدي معزولة عن السياق العام لفكره في تحايل لا يخدع قارئا عاديا:
فالموضوع هنا ليس هل يؤمن المؤيدي بأن النصوص الدينية التي تدل على قصرالإمامة في "أبناء الحسن والحسين" صحيحة أم لا ؛ بل هل يقبل بتجاوز هذه النصوص في الواقع ؟ هذا السؤال هو الأهم وقد أجاب عنه في نص "التحف" السابق بالإيجاب مورداً نموذج تعامل أسلافه مع "عمر بن عبدالعزيز" الخليفة غير الهاشمي.
وأن يؤمن المؤيدي بصحة أدلة القضية من حيث المبدأ ويجيز عكسها في الواقع ، فإنه بذلك مثل علماء السنة ، بما فيهم المنخرطون في الحركة السياسية ، فهم لا ينكرون الأحاديث الواردة في كل الصحاح عن شرط "قرشية" الخليفة ، لكنهم على مستوى الواقع يتحدثون عن الديمقراطية والانتخاب والشورى..الخ.
المؤيدي أيضا انخرط في الحركة السياسية ونافس في الانتخابات وترأس حزب الحق منذ إطلاق التعددية العام 90 وحتى وفاته، وهو النشاط المنسجم كليا مع موقفه الفكري.
وإذن بمن يغرر عزان؟.
الموقع الذي ينطلق منه الرجل ليس موقعا معرفيا ، بل موقع داعية حرب:
في مارس 2007 قال لصحيفة 26 سبتمبر ، ضمن تبريره لحرب صعدة ، إن حسين الحوثي يرى "أن حق ولاية الأمر تعينت في جملة أولاد الحسنين، وبذلك يكون قد ربط هداية الأمة ومصيرها بسلالة معينة" ، هنا يتخذ القضية وسيلة للتحريض.
أما حين كان ينطلق من موقع معرفي ، وقبل أن يلتحق ببروباغندا الحرب فإنه يفصح عن رأي مختلف:
يقول لصحيفة الوسط، في يوليو 2005 ، وقد سألته عن رأي بدر الدين الحوثي بمسألة البطنين:
"نعم بطبيعة الحال هذه موجودة ولكنها جزء من التاريخ وهي شيء في الكتب مثلما هي القريشية موجودة عند الآخرين، لكن هي في الكتب وليس على الواقع".
ويضيف في إجابة على سؤال آخر:
"أما مسألة الاعتقاد بأن الإمامة في البطنين أو حتى في الظهر فله أن يعتقد ما يشاء لأننا نجد أن الكتب التي ما زالت تدرس في جامعة صنعاء ما زالت تقول وتنص على أن الخليفة الشرعي لا بد أن يكون قرشياً وهو ما أجمع عليه المسلمون".


تدمير التراث لأسباب عقائدية
حسناً فعل عزان حين أكد ، بل تباهى ، بأنه حذف وعدَّل في كتاب "الغطمطم الزخار" خلال تحقيقه له. مع التحايل الذي غلَّف به هذا التأكيد:
أولاً: عزان لم يحذف الشتائم فقط
وثانياً: حتى الشتائم لا يحق له حذفها
وثالثاً ليس "الغطمطم" وحده ما تدخل فيه بالحذف والتعديل بل عديد كتب أخرى.
حاول عزان استثارة الذائقة الأخلاقية لدى عموم القراء ، والعقائدية لدى المتدينين ، بنشره جدولاً ركز على عرض الشتائم والمفردات الحادة تجاه الشخصيات الدينية.
له أن يفعل ذلك، وللواقع أن يكون شيئاً مختلفاً : لقد حذف مئات المفردات وعشرات الجمل والفقرات من الكتاب ، كلها لا علاقة لها بالشتائم.
جدول استقصائي أعده مهتمان هما عبدالله الشاذلي وأحمد عيسى الحذيفي ، عن مطابقة للكتاب المطبوع مع نسختين مخطوطتين ، يكشف أن عدد ما قام بحذفه يبلغ (267) مابين فقرة وجملة بمئات المفردات.
تمسكاً بموقف معرفي لن أستعرض نماذج من المحذوف الخالي من الشتائم ، كي لا أمنح عملية حذف الشتائم نفسها مبرراً ، فأنا أرفض هذا العمل بشدة وأعتبره اعتداءً ، وهو نفس الموقف لكل المدارس والمناهج ، القديمة والحديثة ، المتعلقة بالدراسات التراثية والتاريخية .
قال عزان إنه حذف هذه "القذارات" لأنها ليست من عقائد آل البيت ، هذا ما أتحدث عنه بالضبط:
تحكيم المعيار الأخلاقي والعقائدي في عملية تحقيق كتب التراث ، وهو منهج يرضي النرجسية المذهبية لكنه مدان بنظر العلم ومناهجه .
وفقاً لهذا العبث علينا تدمير كل التراث اليمني الموروث من عصور ما قبل الإسلام ، كونه تراثاً وثنياً ، علينا أن نمسخ نقش "النصر" ونتخلص من كل ما يتحدث عن آلهة "المقة" وعبادة الشمس.
كم يتوجب على الإنسانية ، إذ أن تخسر إذا قرر كل شعب التخلص مما لا يناسب عقائده وذائقته الأخلاقية ؛ في تراثه .
تدخلات عزان في "الغطمطم" لم تنتصر للصحابة الذين يجلهم كل الناس ، لكنها في الواقع زورت شخصية المؤلف وعمله ، كما زورت عصره :
الحدة والتشدد في الموقف هما جزء من شخصية ابن حريوه السماوي ، وقد دفع ثمنهما حياته بعد الانتهاء من تأليف "الغطمطم" الذي كرسه للرَّد على معاصره الإمام الشوكاني.
كان الشوكاني حينئذ شخصية غير مقدسة ، كما هو اليوم ، وقد دخل من موقعه في السلطة في خصومة حادة مع السماوي انعكست في كتاب الأخير ، والحال أن معركة الرجلين تكشف عن طبيعة الصراع في واحدة من أسوأ فترات اليمن وفي ظل حكم واحد من أسوأ الأئمة على الإطلاق هو الإمام المهدي عبدالله (القرن الـ13هـ) الذي منحه التاريخ لقب السفاح.
كان السماوي معارضاً ، بشخصية تقترب من الأسطورة ، وكان الشوكاني قاضياً رسمياً يملك كل النفوذ ، وكان الصراع بينهما حيوياً (أثمر موسوعتين فقهيتين هما: "السيل الجرار" للشوكاني و"الغطمطم الزخار" للسماوي) ، لولا أنه انتهى بمأساة دامية هي قتل السماوي في الثلاثين من عمره وصلبه في الحديدة مدة 4 أشهر بموجب فتوى بالإعدام والصلب أصدرها علماء البلاط..
قتل السماوي مرة ثانية بما فعل عزان بكتابه. فمن يقرأ الكتاب لا يجد السماوي نفسه.
بل إن التضليل هنا يطال حتى الخصوم الطائفيين للزيدية الذين من حقهم أن يقرأوا كتاباً يعرفون فيه أن ثمة متشددين داخل هذا المذهب في موقفهم من الخلافات التي حدثت بين الصحابة . لم لا؟.
قال عزان إن العلامة المؤيدي أجازه في تدخلاته هذه ، مقربون من المؤيدي ينفون ذلك بشدة ، سأجاريه في ادعائه وأقول إن الكتاب ليس ملكا لأحد ، حتى المؤيدي رحمه الله ، مثلما أنه ليس ملكاً للزيدية ، إنه تراث مملوك لكل اليمنيين ضمن نصيبهم من ملكيته العامة للإنسانية كلها مثل كل تراث آخر.
تدخلات عزان في غير "الغطمطم الزخار" عديدة وبنفس المنهجية ، وغالباً ما تكون تدخلات سطحية وبمبررات تافهة ، لكنه لا يملك أي حق فيها .
في كتاب "الإفادة في تاريخ الأئمة السادة" للإمام أبو طالب الهاروني (340هـ) حذف مفردة " السادة " واستبدلها بـ"الزيدية" ، فقط بسبب الحساسية السياسية التي تثيرها هذه الكلمة ليس في كل اليمن بل في المناطق من صعدة إلى ذمار ، وليس في كل الزمان بل في ظل نظام ما بعد الثورة.
لم يتوقف الرجل عن التدخل حتى في كتب الأحياء ، كان المؤيدي حياً يرزق حين قام عزان وزميل له بتحقيق كتاب "التحف" عابثين فيه هو الآخر.
أعاد المؤيدي طبع الكتاب وكتب مقدمة صغيرة منح عزان وزميله فيها لقب "المخربان" الشهير.
لعزان أن يكون شجاعاً وجريئاً فيقوم بتحقيق أي كتاب فيه ما يثير ، بحياد وأمانة علمية كاملة ، أو عليه أن يدع المخطوطات في خزانتها حتى يأتي عصر متحرر من التابوهات والعقد ، وهو عصر سيأتي لا محالة.



والشوكاني "لص"
أدعى عزان الترفع عن ما وصفها بـ"القاذورات" في كتاب ابن حريوه السماوي.
وجلَّها كان موجهاً إلى شخص الشوكاني.
المفارقة البلهاء ؛ أن عزان كتب مقدمة كاملة للكتاب ، تصلح كتاباً مستقلاً ، تتبع فيها كل عيوب الشوكاني مصطنعاً له عيوباً إضافية.
مثلاً : تحت عنوان "الشوكاني مقلد وهو يدعي الاجتهاد" في الصفحة 74 ، كتب عزان يقول:
"عاش الشوكاني في مجتمع مستغن عن كل المتعالمين فالناس فيه إما مجتهد لا يحتاج إلى تقليد غيره وإما عامي قد وثق بمذهب معين فهو مقلد له، وأراد الشوكاني أن يكون له أتباع فألف كتباً وأثنى على نفسه فيها وخالف في مسائل كثيرة من باب خالف تعرف".

هل هناك تسطيح أكبر من هذا.
قد ترضي هذه القراءة بعض العوام بما أن الشوكاني غير مُعْتَرفٍ بزيديته ، لكنها بنظري قراءة سخيفة لشخصية دينية مؤثرة منذ عصرها وحتى الآن.
يذهب عزان أبعد من ذلك إذ يخصص فصلاً كاملاً من المقدمة بعنوان "الإغارة على كتب العلماء وسرقة ما فيها" ، يثبت فيه أن الشوكاني مجرد لص.
بعد أن يذكر اتهام السماوي للشوكاني بسرقة النصوص ، يقول: "ثم رجعت إلى كتبه فوجدت أن أغلب ما فيها ليس من إنشائه فضلاً عن إبداعه وإنما يقوم بمسخ كتب العلماء بتقديم وتأخير وحذف لبعض المناقشات والأدلة واختصار مخل لبعض التفاصيل المهمة وتغيير في تسمية الأبواب والمباحث إضافة إلى بعض الزيادات الطفيفة التي يستطيع وضعها صغار الطلبة".
ثم مضى يستعرض ما قال إنها أمثلة فقط للسرقات في كل كتب الشوكاني ؛ مستغرقاً 9 صفحات من المقدمة تبدأ من ص65.
حسناً : كيف يستكثر "شتائم" السماوي ثم يورد بالمفرق ما أورده السماوي بالمجمل !!! .



"الرئيس زيدي وعلي محسن زيدي والإرياني يكره الإصلاح"

عزان المعتدل.. عزان المتطرف

في العالم كله ؛ من يؤيد الحروب هم المتطرفون ، وفي اليمن بينما كان عزان ينفخ ، بلا هوادة ، في بوق حرب صعدة الرابعة كان هناك إعلاميون يستضيفونه على أنه شخصية معتدلة.
الأحق ؛ أن لا تسأل إن كان عزان معتدلاً أو متطرفاً ، إذ الأمر يتعلق ، أولاً وأخيراً ، بالتوظيف النفعي والسياسي للاعتدال والتطرف.
أي متتبع لما كتبه عزان ولمجمل أنشطته سينتهي إلى نتيجة فريدة:
الرجل ، وفي وقت واحد ، معتدل إلى حد المزايدة ومتطرف لدرجة السطحية.
إن عزان الذي ألف كتاب " حوار في الإمامة " مثبتاً اعتداله في قضية أساسية داخل الفكر الزيدي ؛ هو نفسه الذي ألف كتاباً كاملاً عن الضم والإرسال في الصلاة هو كتاب " توضيح المقال في الضم والإرسال " ، متطرفاً في هذه المسألة الثانوية جداً لدرجة أنه انتهى إلى أن الضم من أفعال "اليهود".
لقد حقق أيضاً كتاباً كبيراً بعنوان: "الأذان بحي على خير العمل" ثم بذل جهداً جباراً فألف كتاباً ملحقاً بالكتاب الأول هو "معجم رجال كتاب الأذان بحي على خير العمل".
لا أسخر من مواضيع هذه الكتب أو الجهد المبذول فيها . إنني أقرأ المفارقة فقط.
ما من تناقض مدفوع هنا بمراهقة معرفية من نوع ما ، الأمر وليد اهتمام مدروس بعناية ؛ لكن مع كثير من خفة العقل:
فالمشكلة العالقة بين نظام الحكم والزيدية الدينية تتمحور حول احتفاظ هذا المذهب بفكر سياسي يدفع دائماً نحو استعصائه على دخول "بيت الطاعة" والتسليم ، مقولة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" و"الخروج على الحاكم الظالم" وغيرها لا تسمح بذلك ، كما أن نظرية الـ"14" شرطاً التي تضعها الزيدية معياراً لمن يحق له تولي الحكم هي ، حتى بدون شرط البطنين ، مثار حساسية دائمة لدى رأس السلطة في اليمن.
هكذا انطلق الخيال الخصب لبعض الدوائر معتقدة أن بالإمكان، مع الايام ، خلق صيغة زيدية شعائرية على حساب هذه العقائدية.
أعمال عزان تذهب في هذا الاتجاه وتستطيع الآن من خلال كتاباته الفقهيه أن تقف على معالم مذهب شعائري بالغ السطحية والتطرف أيضاً.
لمن لا يؤمن بنظرية "المؤامرة" أن يختار أي تسمية أخرى لوصف دوافع مثل هذا "الاعتدال" و"التطرف" ، لكن بعد أن يقرأ شهادة عزان المهمة على ما أتحدث عنه:
قال لصحيفة الوسط (6 يوليو 2005) إن الرئيس يدعمه وجماعته بمبلغ شهري هو 400 ألف ريال ، سأله الزميل جمال عامر "هل كان هذا الدعم مقصوداً منه مواجهة بدرا لدين الحوثي؟"
فأجاب : "لا.. وفهمت أن هذا الدعم كان لأنهم رأوا أننا بدأنا ننظر نظرة جديدة ونفتح آفاق المنطقة ونجدد أفكارها وهذا الشيء مطلوب في الواقع".
إذاً.. هوتجديد مدفوع بمال سياسي.
هناك وجوه أخرى للانفتاح في ظاهرة عزان ؛ الرجل دائماً وفي كل أحاديثه الإعلامية ، يفاخر بأنه وزملاؤه أسسوا منتدى الشباب المؤمن بهدف إخراج الزيدية والمجتمع في صعدة إلى العصر.
إليكم المفيد .. إن كل الانفتاح الذي يتباهى به عزان هو مسألة الإمامة التي ، وأصلاً ، أصدر كل علماء الزيدية عام 1990، بياناً شهيراً أفتوا فيه بتجاوزهم لها ، إنه البيان المتوفر لمن شاء أن يقرأه في كتاب "العلامة الشامي آراء ومواقف" الذي ألفه، ويا للمفارقة، محمد عزان نفسه.
أما الاعتدال الذي منحه إياه نضاله من أجل إثبات أن فرقة المطرفية تعرضت "لمذبحة" على يد أحد أئمة الزيدية لأسباب فكرية فقد أسقطه عنه ، نهائياً ، تأييده المتطرف لحرب صعدة التي بررها هو نفسه بمبررات فكرية ودينية (أنظر مبرراته في مكان آخر من هذا الموضوع) .
غير ذلك.. فإن معالم انفتاحه واعتداله تجلت في أعمال بارزة جداً (وعصرية جداً) هي:
"الصحابة عند الزيدية" ، وهو اسم كتاب ألفه ، أو "فدك.. أين الحقيقة" وهو بحث يتناول فيه المشكلة التي اندلعت فور وفاة الرسول (ص) والمتعلقة بأرض فدك التي منحها لابنته فاطمة وصادرها الخليفة أبوبكر ، بلغة أخرى فإن عزان انتقل بالزيدية فعلاً إلى العصر ، لكنه العصر الأول للإسلام وليس القرن الواحد والعشرين.
ولا مرة اقترب ، في كتاباته ، من القضايا الفكرية والمعرفية المطروحة بإلحاح على واقع المسلمين اليوم والمرتهن لها كل مستقبلهم.
أما على مستوى أنشطته فالكلام يطول ، لكنه نفسه يختصر لنا الأمر:
قال يوماً متحدثا عن أهداف تأسيس منتدى الشباب المؤمن: "كنا بحاجة إلى حفظ شبابنا من مخاطر اٍلانخراط في تيارات ومذاهب وأحزاب كنا نرى أنها تحمل أفكارا خطيرة على الشباب والمجتمع" . (العربية نت 17 أبريل 2007).
وهكذا ظل عزان يقدم نفسه في كل المحافل الزيدية على أساس أنه الحارس الأمين للمذهب في وجه كل التيارات.
وانطلق في تبرير انخراطه في العلاقة مع السلطة ودوائرها العسكرية والسياسية بادعاء أن "المذهب" في خطر ولابد من الانخراط في السلطة لمواجهة التيارات الدخيلة وهي هنا الوهابية والسلفية وحزب الإصلاح.
ومهما نسيت لا أنسى أن عزان في كل لقاءاته الاستقطابية ، في صنعاء بعد انتقاله إليها من صعدة ، كان يردد أمام الطلاب وناشطي المذهب لازمة واحدة : "الرئيس زيدي وعلي محسن زيدي والإرياني يكره الإصلاح ليش ما نستفيد احنا".
وبالفعل استفاد الرجل.. إنه الآن مدير لإذاعة صعدة ، لكن السلطة "الزيدية" خذلته كثيرا بهذا المنصب.

الحرب بمبرر "عدم الاكتراث" بالفروض

قبل 1994 ، كان محمد عزان مشروع زعامة وليدة داخل الزيدية ، وعام 2005 ، كان قد خاض كل المعارك الغلط ، وانتهى به الحال إلى قاع الصفر ؛ معزولاً حتى من أقرب طلابه ليقول لصحيفة الوسط : "لقد قضيت 18 عاماً طفولة ومراهقة وعشر سنوات قضيتها في عمل حزبي ومذهبي خرجت منه بتهم وفتاوى وإدانات وعشر سنوات من أجل تشجيع الناس مع الدولة ومع النظام والديمقراطية والدستور وأخيراً حبست فلا هذا تأتى ولا ذاك حصل أفضل أن أعيش ما بقي من عمري لأولادي وأهلي".
لكنه لم يفعل ، أو لم يُتح له أن يفعل ، إذ انخرط في مهمة جديدة ستعود به إلى الأضواء.
اندلعت حرب صعدة الرابعة ، فقفز إلى موقع متقدم ضمن أدوات التعبئة الحربية ؛ وكان في واجهة مبرري الحرب ومصعِّديها.
من ناحية التقييم ؛ إذا أردت أن تشن حرباً بمبررات سيئة فعليك أن توظف "محمد عزان"، أسوأ الحروب وأكثرها تخلفاً ولا أخلاقية ، هي تلك التي تشن لأسباب دينية فكرية . وبالنسبة لعزان فإن حرب صعدة هي حربٌ دينية فكرية ؛ ولا شيء آخر.
ما لم تستحضره الحكومة وإعلام الحرب من مبررات عقائدية استحضرها الرجل وأسهب في استعراضها خلال أداءه لمهمته عبر حواراته وأحاديثه في مختلف وسائل الإعلام.
سأقتبس نماذج من مبررات عزان ، لافتاً إلى أن هذه هي المرَّة الأولى التي نسمع فيها عن حرب تشن بمبررات من بينها.

"عدم الاكتراث" بالصلاة:
في حديث لـ"العربية.نت" قال عزان ، معدداً الانحرافات الدينية لجماعة الحوثي: "منها تعطيل مصادر التشريع عن أداء دورها فالقرآن مرهون بفهم خاص، والمبالغة في تقديس الموالي والإساءة إلى المخالف وادعاء التفرد بالحق وتهليك الآخرين، وعدم الاكتراث بأداء الفروض كما ينبغي وإسقاط الآيات الواردة في المشركين على المسلمين، والاعتماد على الخرافات والاساءة إلى سلف الأمة". ( العربية نت17 أبريل 2007)
وحول الانتماء المذهبي يقول : "جماعة الحوثي.. ينتمون إلى المذهب الزيدي فيما أعرف ، لكن المذهب الزيدي لا يتحمل أخطاءهم كما لا يتحمل أي مذهب أو دين أخطاء المنتمين إليه ولا سيما أن الأفكار التي كانت الفتنة والحرب عليها لا نعرفها في المذهب الزيدي".
(العربية نت 17 أبريل 2007) لاحظوا كيف يؤكد على أن الأفكار هي أساس الحرب.



استغلال لا يتوقف

حتى العام 2000 ظلَّ محمد عزان مرتبطاً بعلاقة وثيقة مع شيخه العلامة بدر الدين الحوثي ، كان الأخير منذ 94 قد ضحى بالكثير من علاقاته مع العلماء لسبب وحيد هو وقوفه ، الحاسم ، مع عزان وزملائه أثناء الخلافات الحادة التي نشبت بينهم وبين بقية علماء صعدة.
كان رأي بدر الدين أن من حق عزان وزملائه التعبير عن رأيهم وممارسة أنشطتهم وافتراض حسن النية في أدائهم.
طوال تلك السنوات لم يتخل عزان عن الانتصار بشرعية بدر الدين : كل ما ووجه بمقولة لـ"مجدالدين المؤيدي" عنه وعن زملائه ؛ رد: "وسيدي بدر الدين قال...". وهكذا.
يجيد الرجل استثمار كل شيء ، ولكنه لا يجيد إخفاء ذلك ؛ بل إنه يصرح به بكل أريحية:
تسأله صحيفة "26سبتمبر» "كيف كانت طبيعة العلاقة بينكم وبين بدرالدين؟"
فيجيب مشيراً إلى الخلاف الذي نشب بين العلماء وبينهم بسبب مناهجهم ؛ يقول: "ثم استعنا بالوالد بدر الدين للتغلب على مشكلة المنهج، حيث راجعه وصادق عليه ، وطبعناه من جديد وعليه توقيعه ، وبذلك كسبنا تأييد كثير من العلماء وأصدروا بياناً لتأييدنا".
(صحيفة"26 سبتمبر"- 17 مارس 2007).
وعلى نحو أوضح ، في نفس الحوار وفي سياق الحديث عن حسين الحوثي ؛ يقول: "وقد كنا ولا نزال نحافظ على علاقتنا بوالده (أي العلامة بدر الدين) ، خوفاً من تهمة المخالفة للمذهب التي كانت تستغل لإحراق الخصوم عند العامة والخاصة".
هكذا... أراد أن يتنصل أمام الحكومة من علاقته ببدرالدين ، فكشف حقيقة تلك العلاقة : مجرد استغلال.
استثمر خصومته مع المؤيدي ، أيضاً ، لدى الدوائر الرسمية طويلاً.
ومثلما يستثمر كل شيء فاجأني الأسبوع الماضي حين انتقل إلى "الخيواني" حاشراً له في رده علي دون مبرر ، غير المبرر المعقول جداً وهو استثمار المأساة التي يعيشها الزميل والصديق الصحفي "عبدالكريم الخيواني" الموضوٍع تحت طائلة القمع منذ 2004.
لقد أراد الرجل أن يقول للمعنيين أنه أيضاً على خصومة مع الخيواني ، من شأن هذا أن يرفع من قيمة اسهمه في بورصة النفاق السياسي.
حين كان عزان في سجن الأمن السياسي ، العام 2004 ، كانت صحيفة الشورى برئاسة الخيواني تكرس صفحات كاملة لعرض قضيته والضغط للإفراج عنه.
وفي الواقع لم يعرف الناس قضيته إلا في الشورى، لقد كان عليه أن يتذكر هذا فحسب.
وبالنسبة لليمين التي رد بها المؤيدي على اتهامه بالعنصرية من قبل عزان ؛ فإن الجميع يعرف أن نصها موجود في كتاب التحف ، لكني لم أقل أنه أنشأها بعد هذه التهمة ، لقد قلت إن المؤيدي حين لم يجد وسيلة مناسبة للرد على هذه التهمة لجأ إلى الوسيلة التي لا تستخدم إلا عند انعدام إمكانات الحوار المنطقي وهي اليمين.
ولم يتعرف الناس على هذه اليمين ولم يتم نشرها وتوزيعها مستقلة عن الكتاب إلا بعد أن اتهم بالعنصرية من قبل عزان.
لم ينكر عزان تبنيه لخيار المواجهة بسلاح العنصرية لكنه بحث عن ملهاة أخرى.

ليست هناك تعليقات: