الأربعاء، 11 أغسطس 2010

عايش: تجريم الاثنى عشرية غطاء لحرب صعدة واستهداف الزيدية

عبد الله علي صبري "اسلام تایمز":
رفض الباحث والكاتب الصحفي محمد عايش تسمية "الاثنى عشرية" في اليمن بالأقلية، مستنداً إلى ما أسماه بالرغبة الحكومية في تهديد المنطقة من خلال تقديم معتنقيها كأقلية دينية، وإذ أكد عايش على الحق في اتباع هذا المذهب، فقد استهجن تقديم الحكومة للاثنى عشرية من الشباب على أنهم " رأس حربة للتيار الشيعي الصفوي الإيراني يوشك على غزو اليمن" .
 وكمراقب للتداعيات الحقوقية على الأقليات المذهبية يذهب ماجد المذحجي الصحفي



 والناشط الحقوقي، إلى القول بأن استهداف الاثنى عشرية في اليمن، جرى التأصيل له عبر أكثر من زاوية، منها محاكمة مجموعة من الشباب اليمنيين في صنعاء، بتهمة استلام أموال من الحوزات خارج اليمن، وكعملاء للاستخبارات الإيرانية.
من جهته قدم عبد الرشيد الفقيه المدير التنفيذي لمؤسسة حوار، سرداً بالانتهاكات التي تؤكد الاستهداف الرسمي 



للمذهب الاثنى عشرية في اليمن، الأمر الذي دفع المؤسسة إلى تنظيم ندوة كسرت حاجز الصمت، وفتحت 



الحديث في الملف المسكوت عنه يمنياً.
فتحت عنوان " حرية المعتقد..الإثنى عشرية نموذجاً" التأمت بصنعاء الأربعاء الماضي ندوة نقاشية، تحدث فيها الباحث عبد القوي حسان إلى جانب ماجد المذحجي ومحمد عايش، وأدارتها الكاتبة والأديبة هدى العطاس.
في ورقته استعرض حسان الضمانات التي شرعها الإسلام لكفالة حرية المعتقد،
ومنها:-
- لا يصح إيمان أحد حتى يكون حراً في اعتقاده ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )
- أن مهمة الرسول هي الإبلاغ والتبيان وليس الإلزام ( فإن اسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ )
- يلزم الإسلام المسلمين الاعتراف بالتعدد الديني كشرط لإيمانهم (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )
- يؤكد القرآن على حق الاختلاف بين جميع البشر ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ، ولا يزالون مختلفين )
- ضمان حق ممارسة شعائر المعتقد وحق التبشير به والتاريخ مليء بنماذج تؤكد ذلك.
وأكد حسان في مداخلته أن المشكلة تكمن في هيمنة المؤسسة الدينية التي أصبحت مجرد جهاز من أجهزة السلطان، حد تعبيره ، مطالباً بثورة ثقافية تبين للناس حقيقة هذا الدين الذي يكفل حق وحرية المعتقد مع الأديان ومن باب أولى يضمن حق وحرية المعتقد داخل الدين الواحد .

فئة منـزوعة الحماية
من جهته استغرب ماجد المذحجي من تهمة " استلام أموال" التي يواجه بها عدد من الشباب المعتقلين على ذمة حرب صعدة والانتماء للاثنى عشرية قائلاً: لا يوجد مذهب في اليمن لا يستلم أموال من الخارج ، فالأخوة السلفيين يستلمون أموال "بالهبل" من السعودية وتأتي عبر أكثر من منفذ، بشكل رسمي وغير رسمي، كما إن الإسماعيلية يستلمون أموال من سلطان البهره الذي يقدم دعماً مالياً خارجياً ، ولكن من يستهدف تحديداً هم الإثنى عشرية.
ومن منطلق حقوقي أكد المذحجي في ورقته، أن حرية المعتقد هي ضمن المواد الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحرية المعتقد بالمفهوم الحقوقي سقفها عالي جداً، تدعو إلى حق الإنسان في تغيير معتقده من دين إلى دين، وليس فقط في الانتقال من مذهب إلى مذهب، وكذلك حقه في أن يكون لا ديني، وضمن هذا المبدأ الأساسي يفترض أنه أتت الاستجابات التشريعية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذا ما حدث في دستور دولة الوحدة في اليمن عام 1990م، حيث كان يتضمن تأكيداً واضحاً على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أي انتماء لهم " ديني، مذهبي ، عرقي، ثقافي.....الخ"
وأوضح المذحجي أن هذه الاستجابة قد تم إفسادها بعد سنة 94 حيث جرى تعديل الدستور ليتضمن تمييزاً يتعلق بحرية المعتقد وحريات أخرى، وهو ما يستتبع- بنظره- تأسيس قانوني لممارسات تمييزية تلحق بكل مختلف دينياً ، سواء مختلف على المستوى العقدي "غير مسلم" أو المستوى الطائفي لأن التفسير الوحيد لفكرة أداء الشعائر الإسلامية تنحصر على التعريف السني إلى الآن، ضمناً في الوعي العام.
وللتدليل العملي على استهجان المختلف مذهبياَ يرى المذحجي بأن حالة المعتقلين كشفت الممارسات التمييزية ضد أتباع الاثنى عشرية، فالقاضي الذي تولى محاكمة حسين زيد بن يحيى قبل الإفراج عنه، رد عليه بعد أن أفصح عن انتمائه الإثنى عشري: الله الله والانتماء، في لغة تهكمية ساخرة!
المذحجي أردف، أن الاثنى عشرية فئة منزوعة الحماية على أكثر من مستوى ، فهم مجرَمين اجتماعياً وثقافياً، كما يعانون من تمييز قانوني وتمييز رسمي سياسي، ومن موقف عام يربطهم بتصنيف سياسي ممتد ضمن الاحتقان الاقليمي، إضافة إلى أحكام بالإعدام صدرت بحق بعض المنتمين لهذا المذهب، وهذا يعني أن الانتماء للاثنى عشرية يؤدي إلى الموت.

تدشيـن الطائفية
في ورقته التحليلية لتداعيات حرب صعدة، واستهداف الزيدية والاثنى عشرية، يذهب محمد عايش إلى القول بأن الحكومة اليمنية، خاضت الحرب في صعدة بدون غطاء، أو تهيئة للرأي العام اليمني، فلم تستطع اتهام الحوثيين بالكفر أوالزندقة، كما فعلت في حرب94مع الاشتراكيين والجنوب بشكل عام، فمعركتها في صعدة كانت مع طرف ديني بالأساس، لا تستطيع أن توسمه بالكفر، ما اضطرها إلى البحث عن تهمة تتوفر فيها مجموعة من الشروط منها، أولاً إدانة الحوثيين بالخروج عن الدين بدلاً عن الكفر، وثانياً، إقامة عازل بين الحوثيين وبين طائفتهم حتى لا تتحول هذه الطائفة إلى سند لهم أو مقاتله في صفوفهم، وثالثاً، كان لا بد أن توفر هذه التهمة الإثبات الضمني أن السلطة هي من ينتمي إلى الزيدية وليس الحوثيين كنوع من نزع الهوية الذي ظهر خلال هذه الحرب.
وأضاف عايش أن الحكومة حاولت الاستفادة من حالة الاستقطاب الحادة الموجودة في المنطقة العربية بين الشيعة الموالون لأنظمة الممانعة " سوريا ،إيران وغيرها" وبين السنة ذوي الأغلبية في المنطقة والممثلين في دول وحكومات الاعتدال العربي " السعودية والمصر" ، وهنا كانت المحاولة الأكثر نجاحاً للحكومة وهي محاولة استقطاب تأييد الرأي العام العربي ذي الأغلبية السنية المناهضة للفكر الإثنى عشري، ولهذا تم استيراد كل قواميس الاتهام والتخوين الشائعة في المنطقة العربية للشيعة الإثنى عشرية والإيرانية والصفوية واستخدامها وإعادة إنتاجها بشروط يمنية من أجل مزيد من الاستقطاب للرأي العام العربي حتى يكون ضاغطاً على حكوماته لتحصل الفائدة المطلوبة للحكومة في صنعاء والمتمثلة في عوائد المواقف السياسية والمالية للأنظمة العربية.
هذا الاستثمار لفكرة الصراع الشيعي السني – والحديث لعايش- نجح في تقديم الحكومة اليمنية في صعدة وكأنها تقاتل دفاعاً عن السنة بشكل عام وعن بيضة أهل السنة والجماعة، إلى درجة أنها استطاعت توريط المملكة العربية السعودية الممثل الأكبر لعالم السنة في هذه الحرب.
لكن النتيجة المأساوية، للخطاب الرسمي التحريضي، أن الزيدية غدت بعد ست سنوات من الحرب طائفة بالمعنى الصراعي لهذه المفردة، حيث لم يكن هناك حالة انقسام طائفي بين السنة والشيعة من قبل في اليمن كما هو موجود في البحرين ، العراق ، لبنان وغيرها ، بل كان هناك حالة مذهبية ، وكانت الزيدية تنظر إلى نفسها كمذهب يتعايش مع مذهب إسلامي آخر هو المذهب الشافعي، والآن الحرب تجبر الزيدية أن تتحول إلى طائفة بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات سلبية.
لذا لا يستبعد عايش أن نسمع في الانتخابات النيابية القادمة عن قائمة انتخابية على أسس طائفية، كما هو الآن في لجنة الحوار الوطني، تمثيل على أسس طائفية .. هذه الحالة الطائفية صنعتها الحرب وهي إحدى أسوأ مخرجاتها.

وقـائع
لم يشأ عبد الرشيد الفقيه أن يبقى الحديث عن استهداف الاثنى عشرية عائماً، فسرد بعضاً من الوقائع التي استدعت إقامة الندوة، فقال:إن هذا الاستهداف أخذ مناحي خطيرة ابتداء بتبني رئيس الدولة للخطاب التحريضي ضد المذهب الإثنى عشري مروراً بخطاب رسمي عام عمل بشكل حثيث من خلال وسائل الإعلام العامة على تجريم الانتماء لهذا المذهب، بهدف التغطية على سلسة إجراءات مخالفة للقانون والدستور، منها إغلاق مراكز تعليمية أهلية، ومصادرة أملاك خاصة ،ومحاكمات واعتقالات وتعذيب. إضافة إلى إغلاق جمعية الإثنى عشرية في عدن بقرار رسمي ، والحكم بالإعدام على عبد الكريم لاجي المنتمى لأسرة إثنى عشرية عريقة في عدن، ومحاكمة أربعة شباب أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بتهمة العلاقة بإيران ( وهم وليد شرف الدين، و صادق الشرفي، وعبد الله الديلمي، ومعمر العبدلي ) مع أنه لا رابط للشباب الأربعة بإيران سوى أنهم اثنى عشرية.
من جهته حذر القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي نائف القانص مما جرى في العراق نتيجة الصراع المذهبي الطائفي الذي أكل الأخضر واليابس، وقال أن حزبه العلماني يرفض استهداف أي مذهب و يؤمن بحرية الفرد في مذهبه ومعتقده، ويؤكد الحاجة للعلمانية في ظل الصراع الطائفي في المجتمعات الإسلامية.
الصحفي عبد الكريم الخيواني طالب بالتضامن الحقيقي مع الإثنى عشرية المعتقلين ، وقال بأن الأقلية في اليمن هم الشعب اليمني، والأكثرية هي فقط في سنحان حيث مركز الحكم.
وربط الخيواني بين التوريث وحرب صعدة، مؤكداَ بأن رئيس الجمهورية جمع علماء الزيدية مع بداية الحرب في يوليو 2004، وقال لهم: أنتم فتحتم التوريث وأنا فتحت حرب صعدة، مضيفاً أن الرئيس تحدث في هذا اللقاء مع الزيدية كطائفة وهو اللقاء الذي دشن الطائفية رسمياً، واستمر بعدها التحريض.
بينما استدل المحامي عبد العزيز البغدادي – رئيس المرصد اليمني لحقوق الإنسان، بقضية العالمين الزيديين يحي الديلمي ومحمد مفتاح الذين جرى اعتقالهما بداية حرب صعدة وحكم على الديلمي بالإعدام ومفتاح بالسجن ثمان سنوات ثم أطلق سراحهما بعفو رئاسي، وقال إن إطلاع أي شخص على ملف القضية سيعرف أنها محاولة لإلصاق الانتماء الجعفري إليهما كتهمة ، وأضاف أن محمد مفتاح كان لديه مكتبة متنوعة ومصرح للكتب التي بداخلها، وعند اعتقاله جرى الهجوم على منزله ومصادرة مكتبته بطريقة همجية ، ولما طالب مفتاح النيابة بإرجاع الكتب، كان الجواب: هذه كتب جعفرية!

الدولة المدنية
أرجع الدكتور سعيد عبد المؤمن المشكلة المذهبية في اليمن إلى السلطة التي دعمت السلفيين كما دعمت الشباب المؤمن وتدعم كثير من الفئات داخل الحراك الجنوبي بهدف إغراق اليمن والاستحواذ على الحكم فيه، وقال: الأغلبية من مواطني اليمن ليس لديهم مشكلة مذهبية ،حيث يتعايش اليمنيون بجهاتهم وعقائدهم ، ولكن السلطة هي التي تصطنع هذه المشاكل ، لأنها لم تعد قادرة على حل مشاكل الوطن إلا بافتعال الأزمات.
فيما ذهب الباحث والصحفي نبيل البكيري إلى إن إشكالية اليمن والعالم العربي تكمن في غياب الدولة المدنية، واستئثار الدولة العائلية / القبلية .
وما دام شكل الدولة العائلي قائم فسيظل حقل الصراع الديني هو المربع الذي تجيد الدولة التعامل معه بحكم حيازة هذا الشكل من الدولة على كل خيوط وأوراق اللعبة فيه ، وبالتالي لو وجدت الدولة المدنية الحديثة ، دولة الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية التي تبتعد عن أغلفة الدين وأغلفة المذاهب فسنخرج إلى طريق آمن.
العلامة يحي الديلمي (أحد أبرز علماء الزيدية) نبه إلى مسألة مهمة، وهي أن الاثنى عشرية لم تكن حاضرة كتهمة سياسية أو دينية إلا بعد قيام ثورة إيران سنة 79، حيث خافت بعض الأنظمة على مستقبلها في السلطة، فبدأت تحارب انتشار الاثنى عشرية، التي كانت موجودة أصلاً في السعودية وفي الكويت وفي الخليج العربي بشكل ملفت، دون أن تواجه ، لكن بعد أن أصبح للاثنى عشرية دولة في إيران ، خافت الأنظمة من تحرك مماثل من قبل الشيعة الاثنى العشرية في الخليج العربي.
وبالنسبة للزيدية يذهب الديلمي إلى أن التخويف والتهويل جاء من مسألة الإمامة، والزعم بأن هناك إمام يختفي في جبة الزيدية وسيظهر ليزيل هذا السلطان وابنه وأخوه وابن عمه وابن خالته وجماعته!
وقال أن الرئيس علي عبد الله صالح الذي يقول أنه زيدي من رأسه إلى قدمه ، قد أرسل رجال الأمن القومي والسياسي والخاص والمدني إلى مسجد النهرين ليمنعوني - أي يحيى الديلمي- من الخطابة ، ثم يقول- أي الرئيس - أنه على المذهب الزيدي .
وختم مداخلته، بالتأكيد على العدالة كمطلب لكل الناس، التي إن وجدت وصار الناس ملتزمون بها فإن حرية المعتقد ستوجد وسيكون هناك حوار بدلاً من الصراع.

ليست هناك تعليقات: