الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

مؤتمرات القبائل..تفعيل سعودي لحقبة الستينات



* محمد عايش
بعد أسابيع من "مؤتمر حاشد" عقدت قبيلة بكيل مؤتمرها في الجوف، بينما تنتظر "بكيل" أخرى عقد مؤتمر مماثل في عمران، ولا يزال في الوقت متسع للمزيد من مؤتمرات القبائل طالما أن مشروع المملكة لإعادة ترتيب أوراقها في اليمن لا يزال عند بدايته.

الهدف المعلن لمؤتمر بكيل، الذي انعقد الأحد الماضي برعاية الشيخ أمين العكيمي، كان "توحيد بكيل" و "الحفاظ على حقوقها" ضمن حزمة أهداف أخرى، 


بينما الهدف الضمني هو مواجهة "الحوثيين" و "صنعاء" معا، بالضبط كما هو الحال مع مؤتمر الشيخ حسين الأحمر الخاص بقبيلة حاشد، باستثناء أن الأخير كان أكثر وضوحا في مناهضة مؤتمره للحوثيين.
لم يكن لحرب صعدة، بما مثلته من ورطة كبرى للملكة العربية السعودية، أن تنتهي دون أن تبدأ رياض الأمير سلطان بن عبد العزيز، إعادة نظر كلية في الطبيعة التي بات عليها نفوذها في اليمن، وفي ما ينبغي أن يتم التعامل بواسطته، من الآن فصاعدا، مع نظام الرئيس علي عبد الله صالح.
وما من جديد، في ما يبدو، أفضت إليه إعادة النظر هذه غير تفعيل ما هو قائم أصلا: العلاقة المباشرة مع القبائل وضخ المزيد من أموال اللجنة الخاصة ناحيتها، كي يفضي الأمر في النهاية إلى عزل حكومة الرئيس صالح في صنعاء عن التأثير في الأوضاع، أو شل قدرة الرئيس على اللعب بالخيوط المتناقضة بهدف "ابتزاز" المملكة أو الاحتيال عليها.
مؤتمرا بكيل وحاشد هما، في أدنى قراءة، عودة بالأوضاع في اليمن إلى عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حينما كانت المملكة منخرطة بكل ثقلها في صناعة الخارطة السياسية الحديثة آنئذ في البلاد، ولـ "تهجين" جمهورية سبتمبر والسيطرة عليها. وآنئذ بدأت سيرة "صناديق الذهب" ثم "حنفيات النفط" التي تدفقت على القبيلتين (بمفاضلة في أغلب الأحيان لمصلحة حاشد) ما أفضى إلى هيمنة القبيلة على مشروع الدولة الوليد وطري العود.
طبقا لمصادر عديدة؛ كان لشيخ حاشد، حسين الأحمر، دور كبير في إنجاح مؤتمر العكيمي، البكيلي، ولا يحمل الأمر أية مفارقة إذ أن "مشروعا" واحدا للجارة الكبرى هو خلف "واحدية" الخيط المحرك لقبيلتين تبدوان، ظاهريا، كعدوتين. وللسبب نفسه لم تكن مفارقة تلك التي ظهر خلالها الشيخ الأحمر نفسه كراع، ورئيس، لملتقى "أبناء صعدة" الذي تأسس في فعالية عامة، اغسطس الماضي، رغم أن الشيخ ليس من "أبناء صعدة" أساسا.
الخبر السيئ أن المؤتمرات القبلية هي شكل من أشكال الإيغال في توتير الأوضاع اليمنية وإضعاف مشروع الدولة ومؤسساتها الحديثة، والخبر الجيد: أن مؤتمرات مثل هذه لا تلبث أن تموت بعد إعلانها أو ما إن تنتهي عملية تقاسم الموازنات والاعتمادات الأميرية المخصصة لها. أي أن من غير المتوقع ان يتطور هذا النشاط القبلي اللافت ليحرك واقعا أو يخلق واقعا جديدا أسوأ من الواقع السيء القائم عموما. فالقبيلة اليمنية لم تعد هي قبيلة الستينات والسبعينات نفسها، بل هي قبيلة خبرت جيدا كيف تبتلع أموال الحكم السعودي ثم لا تفعل لمصلحة الرياض شيئا، والشاهد الطري على ذلك ما حدث في صعدة، فما إن تورطت المملكة في الحرب حتى وجدت نفسها وحيدة وغير قادرة على الاستفادة بأي مستوى من القبائل الموالية والحليفة لها، وهي جميعا قبائل محيطة بصعدة وبالحوثيين.
لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن ما يحدث هو فقط علامات على طريق تنشيط أدوات التدخل السعودي في البلاد. ويمكن وضع مؤتمر بكيل، وحاشد، ومؤتمر آخر تحضر قبائل وائلة ودهم المحاددة للملكة لإقامته قريبا؛ يمكن وضعها جميعا في سياق واحد مع الرسالة التي حملتها حادثة "الطرود" الأسبوع قبل الماضي. وحين يتحرك قبيلي ما في أقصى شمال الشمال فليس عليك أن تنتظر أين سيبدأ تنفيذ مهمته (فهو في الغالب سيقرر الجلوس على التلة حفاظا على السلامة)، بل عليك أن تنظر مباشرة باتجاه صنعاء فهناك تكمن الوجهة النهائية لـ "الرسالة" السعودية، ولا يخرج الأمر، بشأن تأثير هذه الرسالة، عن واحد من احتمالين: إما المزيد من الخضوع وكشف الظهر بالمطلق من قبل الرئيس صالح لمستجدات الرغبة السعودية، أو الاحتمال الآخر: تعقيد المشكلات بوجه الرئيس وإخضاعه لعملية "تقليم أظافر" تنتهي به إلى اليأس من إمكانية الصمود في الحكم لفترة أطول.
الشيخ أمين العكيمي، النائب البرلماني عن حزب الإصلاح، هو أحد أبرز الحلفاء المقربين للسعودية، تصاعد نجمه خلال السنوات الأخيرة بفعل دخوله في حالة من صراع المصالح مع السلطة في صنعاء واقترابه، في نفس الوقت، من المملكة ومصالحها، وقد أهله قربه هذا من تولي مهمة الوساطة بين الرياض والحوثيين لإنهاء المواجهات بينهما بداية العام الجاري، قبل أن ينتقل إلى المهمة التالية وهي حشد قبائل بكيل خلفه كتلويح سياسي وأمني بوجه الرئيس صالح وعبد الملك الحوثي معا.
ولم يكن من شأن تصدر العكيمي لهذه المهمة أن يمر دون إثارة غضب الشيخ ناجي عبد العزيز الشائف الذي يعتبر نفسه "كبير" قبيلة بكيل (لم تكن بكيل طوال تاريخها موحدة تحت "كبير" واحد كما هو حال قبيلة حاشد)، وبغض النظر عن قرب الشائف أو بعده من السعودية أو من الرئيس صالح فإن خروجه يوم الإثنين ببيان يعلن فيه مناهضته الشديدة لمؤتمر العكيمي، وعن بدئه الإعداد لمؤتمر لا يعني بكيل وحدها هذه المرة بل كل القبائل اليمنية، هو تعبير آخر عن العودة إلى الصراعات "المشيخية" ذاتها التي تفجرت داخل قبيلة بكيل، تحديدا، في الستينات والسبعينات وبسبب المال السعودي أيضا.
وفي ثنايا غضبة الشائف لن يلبث أن يحضر، ولو بعد حين، ما هو حقيقي أكثر، وهو مشروع المملكة نفسه الذي، ولأنه يعرف جيدا عدم وحدة بكيل تاريخيا، فإنه يجيد توزيع الأدوار بين مختلف مشائخها دون أن يتدخل الآن في صراعاتهم البينية على الزعامة. ولذلك من المتوقع أن يأتي إعلان الشائف بثماره خصوصا وهو أشار في البيان الصادر باسم قبائل بكيل إلى أن من مظاهر الفوضى في البلاد "أخذ الحقوق من الداخل والخارج إلى حساب شخصيات معينة والشعب يموت جوعا". و "حقوق الخارج" هي إشارة بالطبع إلى الأموال السعودية الوافدة على المشايخ، ولم يتردد بيان بكيل هذا عن اعتبارها "حقوقا"!!.

ليست هناك تعليقات: