الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

محمد عايش لـ"صدى البلد":التعاون الأميركي اليمني في حرب الإرهاب شكليّ ... وكلمة الفصل للسعوديّة



في 18يونيو الماضي نشرت صحيفة "صدى البلد" اللبنانية، هذا الحوار القصير الذي أجرته معي الزميلة الصحفية دنيز يمين. ولأن أحداث الأسبوعين الماضيين في اليمن، خصوصا المتعلقة بحادثة "الطرود" المفخخة التي كانت متجهة نحو مدن أوروبية وأمريكية؛ تؤكد المضامين التي تناولتها في هذا الحوار، فسأعيد نشره هنا على صدارة المدونة:
..................

دنيز يمين:

"نشددّ على التعاون الامني المتين جداً بين السعودية والولايات المتحدة اللتين تتابعان باهتمام بالغ تحركات المتطرفين في اليمن"... كلامٌ لوزيرة الامن الداخلي الاميركية جانيت نابوليتانو في 31 ايار الماضي بعيد زيارتها العاهل السعودي عبدالله من عبد العزيز، لم يفاجئ اليمنيين


 المتابعين لما يدور حولهم من توترات داخلية بين التمرد في الشمال والحراك في الجنوب وتنامي دور القاعدة بينهما، غير انه يثير العديد من التساؤلات حول هوية الدور الاميركي في اليمن.  دورٌ امني اساسه مبدئياً الشعار الاميركي القديم الجديد “الحرب على الارهاب” الذي ينخفض ترداده في بقع شرق اوسطية معينة ليظهر بشكل اساسي في بقع اخرى كالمنطقة اليمنية تحديداً. فمنذ حادثة تكساس في قاعدة فورت هود في الخامس من تشرين الثاني مروراً بهجوم كانون الاول الماضي على طائرة ركاب أميركية متجهة الى ديترويت، وصولا الى هجمات القاعدة المتنامية في الداخل اليمني... كلها محطات جعلت من الملف اليمني اولوية اميركية بلا منازع بعد ان كان العراق المأزق الاميركي الاساس.
ماذا عن القاعدة في اليمن واي دور اميركي مباشر يصاغ في هذا البلد امنيا وسياسياً؟ هل ان عراقا آخر يعاني على الحدود السعودية فيما يّعد من الدول الغنية نفطياً ومعدنياً؟ ماذا عن اللعبة الباهتة بين الاجهزة الاميركية وعناصر القاعدة في المنطقة، والى اي مدى ستستمر فصولها الامنية الحربية بالتجددّ في صنعاء؟ الجواب يُختصر بحسب مصدر دبلوماسي غربي بكلمات بسيطة : “النظام في اليمن يركّز على بقائه لا اكثر”. في طيات هذه الجملة القصيرة البليغة اكثر من اجابة واحدة على التساؤلات العديدة السابقة واكثر من تعريف سياسي لنظام الرئيس علي عبدالله صالح. ان “نظام الرئيس صالح هو الشريك السيئ الذي لا بد منه” بحسب تعبير النيوزويك، وهو الذي يجمع في مؤسساته مصالح غربية اوروبية سعودية لا يناسبها سوى بقاء هذا النظام وحمل شعار مكافحة الارهاب مرة اخرى في بلد يؤوي جسماً متطوراً للقاعدة، بحسب احد المراقبين اليمنيين. رؤية تفصيلية ادلى بها الخبير في الشؤون اليمنية محمد عايش حول الدور الاميركي في اليمن في حديث الى "صدى البلد"، فكان الحوار التالي:

¶ كيف تقيّم الدور الاميركي في اليمن على الصعيدين السياسي والعسكري؟ وفي اي خانة يمكن وضع هجمات الطائرات الاميركية بدون طيار ضد القاعدة في اليمن؟

¶¶ الدور الأميركي في اليمن أصبح في هذه المرحلة أكثر حضورا وتشعبا من أي مرحلة سابقة، لكنه لأسباب عديدة يحاول الحفاظ على مقدار أعلى من التكتم وعدم العلنية. وما بين عملية اغتيال القيادي في القاعدة أبو علي الحارثي بطائرة أميركية بدون طيار في صحراء مأرب العام 2002، وعملية القصف الجوي في منطقة “المعجلة” في محافظة أبين في 17 كانون الاول الماضي ضد ما قيل إنه تجمع للقاعدة، هناك خط من التطور المتصاعد لطبيعة الدور الأميركي في اليمن. ولهذا أمكن للولايات المتحدة بعد اغتيال الحارثي أن تعلن بوضوح مسؤوليتها عن العملية دون أن تحسب حساب الإحراج الشديد الذي طال حليفها المحلي، الحكومة اليمنية، بفعل هذا الإعلان الذي جاء بعد أيام فقط على إعلان صنعاء بأنها هي من نفذت العملية. بينما في عملية كانون الاول الماضي، مثلها مثل العملية التي أودت، خطأ، بحياة نائب محافظ مأرب نهاية الشهر الماضي، كان التعليق الأميركي عليهما قصيراً بسيطا وواضحا: إسألوا الحكومة اليمنية فهي وحدها المخولة إعطاء تفاصيل. وليس مثل هذا الموقف السياسي والإعلامي الأميركي غير نتيجة طبيعية للمستوى المتقدم الذي باتت عليه الأدوار الأمنية والعسكرية الأميركية في اليمن أو ما تسميه الإعلانات الرسمية: "الشراكة الأميركية اليمنية" في الحرب على الإرهاب. من هنا جاءت بعض مضامين الاتفاقات الأمنية الأخيرة بين البلدين والتي نصت طبقا لمعلومات غير رسمية، على التزام واشنطن بعدم التبني العلني لأي من العمليات الأمنية والعسكرية التي تنفذها في اليمن وذلك مراعاة للواقع السياسي والاجتماعي المتأزم في البلاد. إن هذه الحيثية المتعلقة بطبيعة الخطاب الرسمي في واشنطن تجاه مثل هذه العمليات، هي إحدى حزم الضوء الكاشف لمستوى المشروع الأمني والعسكري الأميركي في اليمن، وعندما تم التسريب، في ايلول الماضي، إلى الإعلام الأميركي عن قرارات الجنرال ديفيد باتريوس المتعلقة بالسماح لقوات أميركية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد القاعدة في مناطق في الشرق الأوسط، فإن المسافة من ايلول إلى الآن أثبتت أن اليمن كان المسرح الوحيد للعمليات العسكرية "النوعية" و"غير النوعية" التي شهدتها المنطقة ضد القاعدة على مدى هذه الأشهر، وباستثناء ما يصدر من ثناء على “نجاحات” الحكومة اليمنية فإنه، لا الجنرال باتريوس ولا غيره في إدارة أوباما احتفل بهذه "الضربات الموجعة" للإرهابيين، ما يعني أن موعد الاحتفال لم يأت بعد".

¶ هل الدور الاميركي عسكري ام سياسي واي اجندة اميركية موضوعة اليوم لهذا البلد؟

¶¶ البنتاغون أعلن مع بداية هذا العام زيادة المعونة العسكرية السنوية لليمن إلى 150 مليون دولار أميركي، وكان حجم الاهتمام بالأوضاع في اليمن قد تصاعد بشكل منقطع النظير خلال فترة وجيزة (تحديدا منذ فشل محاولة تفجير طائرة عيد الميلاد في ديترويت من قبل النيجيري القادم من اليمن عمر الفاروق عبد المطلب)، وحضر هذا الاهتمام بقوة داخل مختلف المؤسسات الأميركية، وبينها الكونغرس الذي أصدرت لجانه تقارير عن خطورة ذلك على أمن الولايات المتحدة؛ وكل ذلك بقدر ما يعكس حجم الأولوية التي بات هذا البلد المضطرب يمثله في الأجندات الأميركية، فإنه يضع التعريف الوحيد لطبيعة المشروع الأميركي: إنه مشروع أمني عسكري بدرجة أساسية، وسياسي بالنتيجة فقط، ولا علاقة له بالمسألة الاقتصادية مع أنها إحدى الأسباب الجوهرية لفشل الدولة والتهديد بانهيار المجتمع في هذه البلاد. على أن واشنطن عمدت إلى التخفيف عن بعض مسؤولياتها تجاه الازمة الاقتصادية بإيكالها هذه المهمة إلى الأطراف الإقليمية والدولية وذلك عبر فعاليات مثل "مؤتمر لندن" و"مؤتمر الرياض" وهي الفعاليات التي وضعت أزمات الحكومة اليمنية  التنموية تحت إدارة السعودية.

¶  لم يخفِ البنتاغون توسيع المساعدت الاميركية لقوات الامن اليمنية. هل ان العلنية هذه، تهدف الى بث التوتر بين اعضاء تنظيم القاعدة ام ان الامر يمهّد الى تدخل اميركي امني مباشر في اليمن؟

¶¶ حين بدأت الولايات المتحدة تعلن عن بعض مساعداتها العسكرية والأمنية لليمن كانت، في جانب من الأمر، بالفعل تريد ابلاغ رسالة إلى القاعدة في اليمن مفادها أن هذا التنظيم بات الآن "تحت طائلة اليد الأميركية"، لكن هذه الإعلانات في مستوى آخر أرادت منها واشنطن أن تثبت أنها تستجيب بالفعل للاحتجاجات التي ظلت الحكومة اليمنية ترددها في مختلف المناسبات بشأن مطالبة الغرب لها ببذل المزيد من الجهد في مواجهة الإرهاب بينما هم لا يقدمون الدعم المطلوب. حرب أميركا ضد الإرهاب هنا تعتمد على قدرات قواتها الخاصة وفرقها "الصغيرة" (كما تصفها بعض التصريحات العسكرية) المتواجدة في اليمن، وأيضا على انتشارها العسكري الكثيف في مياه البحرين الأحمر والعربي، وما بقي خارج هذا الغطاء أو على هامش المهمات الأمنية يمكن إيكاله لفرق يمنية معينة وهذه الفرق، في الواقع، هي المعنية بهذه المساعدات الأميركية المتواضعة.  ومن النواحي المهمة خلف تواضع معونات الأميركيين العسكرية لليمن، مردها حالة "عدم الثقة" في الشريك اليمني، فنظام الرئيس صالح هو الذي على الأوروبيين والأميركيين أن يحذروا بشأن أي معونات عسكرية يقدمونها إليه لأنه سيستفيد منها ضد معارضيه وخصومه السياسيين بدلا من استخدامها ضد القاعدة، وهذا الرأي الأخير للغارديان في افتتاحية لها عشية انعقاد مؤتمر لندن بشأن مكافحة الإرهاب في اليمن، في كانون الثاني الماضي.

¶ هناك تأكيد اميركي على التنسيق مع السعودية ضد القاعدة في اليمن. هل نتوقع ان يتحول اليمن الى عراق ثانٍ تكون فيه للرياض وواشنطن اليد الطولى؟

¶¶ إلى حد ما نعم، ما يحدث الآن في اليمن شبيه بما يحدث في العراق لجهة تولي المشاريع الإقليمية والدولية دفة الأمور فيه.
فمؤتمر لندن والمقررات الصادرة عنه عزز من دور الإقليم داخل اليمن وهو الدور الذي تمثل السعودية رأس حربة فيه. وبالنسبة للحرب على القاعدة فإن الرياض بالتأكيد حاضرة في كل مفاصل الاستراتيجيات الأميركية لأنه، وأصلا، القاعدة في اليمن هي منتج سعودي بامتياز، من حيث كون الإسناد الإيديولوجي والمالي واللوجستي تتلقاه القاعدة من أراضي المملكة رئيسياً، ثم من بقية دول الخليج بنسب متفاوتة، ومن حيث أيضا كون القاعدة لم تصبح مشكلة يمنية إلا ترتيبا على كونها مشكلة سعودية في البدء. ولا يزال السؤال الكبير مطروحا من قبل المراقبين والمتابعين بشأن التحول المفاجئ في استراتيجيات القاعدة خلال الست أو السبع سنوات الأخيرة، والمتمثل في نقل التنظيم لكافة أنشطته من داخل المملكة إلى اليمن. وفيما تحولت اليمن خلال هذه الفترة إلى "أرض ميعاد" بالنسبة للجماعات الإرهابية القادمة من السعودية والخليج والقرن الأفريقي، وبالتالي تصاعدت أنشطة الإرهاب بشكل خطير في البلاد؛ فإن المملكة عاشت سنوات مستقرة. ثمة نظرية مؤامرة تفترض أن أجهزة المملكة عقدت صفقة مع كبار شيوخ الدين النافذين لدى القاعدة وبموجبها هاجرت القاعدة إلى اليمن التي أصبحت ساحة متقدمة لمعركة المملكة مع الإرهاب.
لكن هذه النظرية لا حاجة لها في ظل حقائق واضحة من نوع أن أنشطة الأجهزة الأمنية السعودية داخل اليمن تمر بمرحلة ازدهار لافت، وهكذا أمكن لنا أن نسمع إعلان المملكة قبل نحو 3 اسابيع عن تحريرها طفلين ألمانيين من ضمن 9 أجانب مختطفين منذ عام في محافظة صعدة اليمنية، ولم يورد الإعلان أي تفاصيل بشأن الإنجاز الأمني السعودي داخل مناطق "السيادة اليمنية".

ليست هناك تعليقات: