الاثنين، 13 نوفمبر 2006

الحكومة اليمنية والارهاب.. لعبة ينقصها الاحتراف


فواز الربيعي : قتلته الحكومة بعد فراره من سجن المخابرات .

* محمد عايش
والد فواز الربيعي، الذي قتلته القوات الحكومية في اكتوبر الفائت، قال إن ابنه الآخر، أبو بكر، لم يكن مسجوناً اثناء محاكمته وشقيقه ضمن خلية القاعدة المتهمة بتفجير الناقلة الفرنسية ليمبورج.
لقد كان أبو بكر في منزله حين كان ضباط الأمن يأتون لأخذه لحضور جلسات المحاكمة "من اجل أن يقولوا للأمريكان انه مسجون" كما قال الأب، موضحاً اكثر: "حينها لم يسجن حتى لثواني، كانوا يرسلون له الضابط (...) ليأخذه من البيت إلى الأمن ويلبسوه ملابس السجن ويأخذوه مع الباقين الى المحكمة ويعود بعدها الى البيت" مضيفاً ان رئيس جهاز الأمن السياسي كان يؤكد له ان ابنه ليس متهماً بشيء و"انما هي ضغوط عليهم من أمريكا".
شهادة الربيعي الأب هذه، تعد جزءاً من الجواب على سؤال: كيف فقدت حكاية الارهاب في اليمن عنصر الإثارة، وكيف توقفت قضايا الارهاب و"القاعدة" هنا عن كونها لغزا عصيا على الفك، حيث المسألة دخلت مرحلة من



 الوضوح الكافي لإدراك أن الأمر برمته يبدو كما لو انه لعبة حكومية ليس أكثر.
أحكام خفيفة/ قتل دون محاكمة
الاشهر القليلة الماضية كانت خصبة بكل ما هو لافت في هذا السياق، فهي حفلت باحداث وتفاصيل عديدة القت بالمزيد من الظلال القاتمة على مصداقية الحكومة في تعاطيها مع قضية بحجم وخطورة قضية الإرهاب:

في الرابع من نوفمبر الجاري برأت المحكمة الجزائية 13 متهماً ضمن ماعرف بخلية الزرقاوي المتهمة بالتخطيط لاستهداف الأمريكيين في اليمن، فيما قضت بعقوبات خفيفة على 6 اخرين من افراد الخلية، هي السجن ثلاث سنوات مع الاكتفاء بالمدة التي قضوها في الحبس سابقاً.
قبل ذلك بأشهر اصدرت نفس المحكمة، المتخصصة بقضايا امن الدولة، حكماً بالسجن 3 سنوات ونصف السنة فقط بحق (ابو عاصم الاهدل) الذي قالت السلطات انه الرجل الثاني للقاعدة في اليمن.
بالنسبة لعديد مراقبين فان الاحكام تعد خفيفة قياساً بالتهم الكبيرة والخطيرة التي وجهت الى المحكوم عليهم، بعض هؤلاء المراقبين لم يتردد في اعتبار الاحكام مؤشراً على خبايا عديدة أهمها الرعاية الرسمية لخلايا القاعدة وارتباط اعضاء الخلايا بعلاقات وثيقة مع مراكز في الحكم، فيما آخرون يشيرون الى هذه الاحكام كدليل على الافتعال السياسي للقضية برمتها، حيث لاقاعدة ولاخلايا ولا اعمال عدائية مبيته، موجودة في الواقع، والامر كله ركوب ،من قبل الحكومة، لموجة الحرب الامريكية على الارهاب بهدف الحصول على مكاسب أو تجنب خسائر.
والواقع ان مايدعو للتوقف ليست طبيعة الاحكام ،وما اذا كانت خفيفة ام لا، بل هو هذا الازدواج الرسمي في التعاطي مع من تقدمهم الحكومة كمتهمين بالارهاب، فهي تصدر احكاماً مخففة بحق بعضهم في وقت تقتل فيه بعضهم الآخر، لنفس التهم وبدون محاكمات، فيما البعض الثالث منهم تختار التعامل معهم بواسطة "الحوار" الذي تقول أنها تجريه معهم داخل السجون، وقد اطلقت سراح اعداد منهم بعده لكن لتعود وتعتقهلم من جديد.
بين رجلين
لم تقم السلطات، عام 2002م، بالقاء القبض على أبو علي الحارثي وتقديمه الى المحاكمة، فبدلاً من ذلك قررت السماح لأمريكا باغتياله و9 من رفاقه في صحراء مارب وبتهمة انه الرجل الاول للقاعدة في البلاد، لكنها فيما يتعلق بـأبي عاصم الاهدل قامت باعتقاله لتقدمه الى المحاكمة ثم لتصدر حكماً بسجنه 3 سنوات ونصف السنة فقط مع انها قالت انه الرجل الثاني للقاعدة والذراع الايمن للحارثي، ومع انها ايضاً وجهت اليه تهما كافية لانزال العقوبات القصوى بحقه، فهي اتهمته بتشكيل عصابة مسلحة لمهاجمة مصالح اجنبية والاخلال بالامن والاستقرار وتمويل تلك الاعمال وتسلم مبالغ بشأنها والتسبب في مقتل نحو 19 من رجال الامن والجيش وجرح 29 آخرين وتدمير عدد من المنازل، كما اتهمته بإنفاق نصف مليون دولار خلال عام واحد، 2002م، لشراء اسلحة ومتفجرات للقيام باعمال "تخريبية وارهابية" داخل اليمن من ضمنها الاعتداء على بعض المصالح والمنشآت الحيوية.
ولاسبب هنا للاعتقاد بان القضاء كان عادلاً بحيث لم يجار السلطة التنفيذية في هذه الاتهامات ومن ثم قام باسقاطها عن الاهدل ما أدى الى صدور الحكم الخفيف بحقه، فالمعروف جيدا هنا ان لا وجود لاستقلال حقيقي للقضاء وانه تابع للسلطة السياسية بشكل شبه كامل.
عدد من المتابعين يقولون أن الاهدل وخلية الزرقاوي وغيرهم قد لايكونون مستحقين فقط للاحكام المخففة، بل قد يكونون ابرياء في الحقيقة، وقد يكون حالهم كحال أبو بكر الربيعي الذي كان، حسب رواية والده، يؤتى به للمحاكمة لغرض "التمثيل" على الأمريكان فقط، وهو امر وارد جداً في ظل تناقضات التعاطي الحكومي مع هذه القضايا، وهي التناقضات التي كلما مر زمن كلما تكشفت أكثر ليتضح معها المزيد من جوانب اللعبة:
نهاية الفرار
ما إن اعتقد الجميع، مثلاً، أن فضيحة هروب سجناء القاعدة من معتقلات جهاز الأمن السياسي، قد طويت حتى وقعت الحكومة في فخ فتحها من جديد، حين اعلنت قتلها لاثنين من أخطر الفارين هما فواز الربيعي ومحمد الديلمي، واعلانها قبل ذلك ايضا احباط محاولة تفجير منشآت نفطية وقتل منفذيها الأربعة الذين كانوا من ضمن الفارين.
وحين ظهرت شهادة والد فواز الربيعي، في الحوار الذي أجراه معه الزميل رشاد الشرعبي ونشرته الشورى نت في 8 اكتوبر المنصرم، ظهر المزيد مماكان مخبأ ومتوقعا ايضاً:
قال الربيعي الاب ان نجله فواز زاره الى المستشفى بعد 4 اشهر على فراره، وقد مكث عنده قرابة ربع ساعة دون ان يكون متنكراً اومخفياً لوجهه، والواضح من رواية الاب ان ابنه كان على حالة كاملة من الاطمئنان وعدم القلق من الملاحقة الامنية، مايدعم السؤال الكبير عن حقيقة الفرار ونظرية "التواطؤ من الداخل"، كما يضع سؤالاً اخر عن الكيفية التي قتل الرجل بها ولماذا قتل بدلاً من الاعتقال، طالما أنه كان موجوداً داخل العاصمة ويتنقل بمثل هذه السهولة؟..
الربيعي الاب ادلى باجابته على السؤال، فهو سأل محاوره عما اذا كان فواز يملك "عصى موسى" ليتمكن بواسطتها من الفرار من السجن، واضاف بالحرف: "هناك تسهيلات في حفر النفق (الذي فروا من خلاله) من قبل الحكومة لتصفيتهم خارج السجن".
ولماذا تعمد الحكومة الى تصفيتهم خارج السجن؟ لا احد يدري بالضبط، لكن بقية شهادة الربيعي الأب قد تقدم جزءاً من الاجابة: فهو اوضح أن علاقة ابنه بأفغانستان والجهاد بدأت، أصلا، عبر مسئولين أمنيين وعسكريين كبار، حيث قال إنه عقب عودته وأسرته من السعودية مع آلاف اليمنيين العائدين بسبب أزمة الخليج الثانية، تمكن ابنه فواز من الحصول على وظيفة في إدارة شؤون الموظفين بالقصر الجمهوري، قبل أن يأتي إليه مسئولان أحدهما وكيل سابق في جهاز الأمن السياسي والآخر قائد لإحدى المناطق العسكرية، حيث "أغرياه بالسفر إلى أفغانستان قبل الهجوم الأميركي عليها بعام ونصف تقريبا، وقالا له أنه سيكون مع مجموعة هناك من 12 شخصا سيعود معهم إلى اليمن رئيسا لهم"، ويضيف الأب:"كانوا يصرفون لي راتبه من القصر الجمهوري شهريا"، ويتابع" ولما رجع من أفغانستان بعد عام تقريبا بدئوا يطاردونه وحرموه حتى من الوصول إلينا".
لقد قتل فواز الربيعي إذاً وقتل سره معه، فيما أعداد ممن فروا معه من السجن عادوا ليسلموا أنفسهم بسهولة كي تطلق السلطات سراحهم بعد ذلك بسهولة أيضا، حيث نشرت مصادر صحافية في الأول من يونيو الماضي أن 8 ممن سلموا أنفسهم عقب فرارهم، اعتقلوا لخمسة عشر يوما فقط ثم أطلق سراحهم بناء على ضمان شخصي من قبل قيادي في حزب المؤتمر الحاكم،وهذا بالضبط ما يدعم التفسير الذي توصل إليه الربيعي الأب من أن حكاية الفرار مجرد فخ استهدف تصفية نجله فقط.
إستثمار سياسي
بالنسبة لإعلان السلطات، في سبتمبر الماضي، عن إفشالها محاولة تفجير المنشآت النفطية في مأرب وحضرموت وقتل منفذيها الأربعة فإنه يؤكد، على نحو واضح، ما نتحدث عنه هنا: فالمنفذون الأربعة كانوا ضمن الفارين من السجن، وبالتالي فإن كل هذا القدر من الشكوك المثارة حول حادثة الفرار، تنسحب تلقائيا على حادثة محاولة التفجير هذه أيضا، غير أن ما استجد مع هذه الحادثة ينتقل بالشكوك إلى مرحلة من اليقين:
لقد كانت هذه أول حادثة ارهابية تستغلها الحكومة سياسيا ودون أدنى مواربة، ففور الإعلان عنها، قبل أربعة أيام على انتخابات سبتمبر الرئاسية والمحلية، ربط الحزب الحاكم بينها وبين خطاب المعارضة ومرشحها للرئاسة فيصل بن شملان، مدعيا أن محاولة التفجير قد تكون استجابة لهذا الخطاب الذي وصفه بـ "التحريضي".
وفي اليوم التالي صعدت الحكومة من عملية الاستغلال، فقد أعلنت عن اعتقالها خلية ارهابية في صنعاء قالت إنها كانت تخطط لأعمال عدائية، وقبيل الاقتراع بيوم واحد كان رئيس الجمهورية شخصيا يقف أمام وسائل الاعلام ليقول إن هذه الخلية مرتبطة بالمرافق الشخصي لمرشح المعارضة، عارضا أمام الجميع صورتين لهذا المرافق إحداهما يظهر فيها وهو يقف أمام منزله الذي اكتشفت الخلية فيه، والأخرى وهو يقف خلف بن شملان في أحد مهرجاناته الانتخابية.
وصلت الرسالة إلى الجميع، وأمكن للحكومة من خلال هاتين الحادثتين أن تحسم رأي قطاع واسع من الناخبين لصالحها ولمصلحة الرئيس صالح، وروبين مدريد مديرة المعهد الديمقراطي الأميركي، أحد أبرز المنظمات الدولية التي راقبت الانتخابات، قالت بشكل واضح إن استخدام الحكومة لهذه الورقة الأمنية أثر كثيرا في مسار الانتخابات (في مقيل غير رسمي تباهى أحد الوزراء بأنه من قام بطباخة وإنتاج حكاية المرافق الشخصي لبن شملان بطلب من دار الرئاسة).
لقد كان الأمر متوقعا أيضا، وقليلون فقط هم من فوجئوا به، ففي 11 مارس الماضي، أي قبل 6 اشهر على الانتخابات، نشرت "الشورى نت" تقريرا كتبه الصحافي فارس غانم يقول في جزء منه ما نصه: "إشارات وإيماءات متعددة يمارسها النظام، ويلوح في الأفق أن اليمن قادمة على موجة عنف قد ترافق الاستحقاق الانتخابي في سبتمبر القادم في ظل مخطط مرسوم يستهوي اللعب بورقة الارهاب واستخدام الارهابيين في ضرب المعارضين السياسيين الداخليين وابتزاز الخارج للرضوخ لديمومته (النظام الحاكم) في ظل تمسكه بأوراق (الارهاب ومكافحته) عبر رسالة مفادها: إما أنا أو الارهابيين الذي سيفتحون جبهة جديدة في اليمن"، وهذا بالفعل ما حدث عشية الانتخابات.
أمريكا.. مصالح خلف "عدم الاكتراث"
منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر ظلت الحكومة تدعي ان اليمن كانت معرضة لضربة عسكرية من قبل امريكا وحلفائها في الحرب على الارهاب، لولا ان سياسات الرئيس علي عبدالله صالح واجراءاته الفورية لمواجهة هذه الظاهرة في اليمن...جنبت البلاد هذه الضربة ومخاطرها.
من الصعب جداً الجزم بصحة هذا الادعاء أو بعدم صحته، حيث الوقائع المتعلقة بمواجهة الارهاب، طوال خمس سنوات، جميعها من هذا النوع من الوقائع التي تكرس فقط حقيقة المكر الحكومي وغياب الجدية والمصداقية معاً، وإذا كانت اليمن فعلاً قد وضعت في مرحلة ما تحت طائلة ضربة عسكرية محتملة، فإن ما انقذها من ذلك هو شيء آخر لاعلاقة له بسياسات الحكومة في مكافحة الارهاب ونجاحها او اخفاقها في ذلك.
وحين ينال نظام الرئيس صالح ثناءً مستمراً من قبل الادارة الأمريكية لما تعتبره نجاحاً من قبله في مكافحة الارهاب، فإن ذلك يبدو أقرب إلى النفاق، إذ لا احد يزعم ان واشنطن غبية الى درجة ان تنطلي عليها خدع السلطات اليمنية التي تعمد الى "فهلوة" سهلة من نوع عقد محاكمات وهمية لأشخاص يمثلون دور المتهمين من اجل ارضاء امريكا، كما هو الحال مع ابو بكر الربيعي حسب شهادة والده.
عدا ذلك فان رأيا غير رسمي داخل الولايات المتحدة لا يوافق البيت الأبيض على شهاداته الناجزة للنظام في اليمن، هذا الرأي يتهم الحكومة اليمنية صراحة بالخداع والكذب، وابعد من ذلك يعتبرها راعياً حقيقيا للارهاب.
ظهر ذلك بقوة داخل الكونجرس الامريكي عقب حادثة فرار سجناء القاعدة الشهير، حيث شن اعضاء في الكونغرس هجوماً حاداً على ادارة بوش لتساهلها ازاء الحادثة وعدم اتخاذها اجراءات بحق الحكومة اليمنية التي اشاروا الى علاقات محتملة بين مسئوليها والسجناء الفارين، معتبرين رد بوش على الحادثة رداً "فاتراً".
والحديث هنا عن نفاق واشنطن في إعلاناتها المتعلقة بنجاحات اليمن في مكافحة الإرهاب، لا يعني أن هذه الأخيرة رقم مهم يستحق النفاق من قبل الدولة الأقوى في العالم، كلما في الأمر أن "مكافحة الارهاب" لدى أميركا نفسها مجرد ورقة سياسية تستغلها وفقا لأولويات مصالحها، ولا يبدو طوال الفترة الماضية، على الأقل، أنها وجدت حاجة لاستثمار هذه الورقة في اليمن على نحو حقيقي ومماثل لاستثمارها إياها في أماكن أخرى من العالم، لذلك تكتفي واشنطن من الحكومة هنا أن تقول إنها شريكة في الحرب على الارهاب، وخلف هذه الشراكة تكمن مصالح أخرى للولايات المتحدة في هذا البلد الصغير والهامشي: مصالح لا تتعلق بملاحقة الارهاب ولا تجفيف منابعه، وإنما بامتيازات وتسهيلات أمنية عسكرية أخرى، رصد منها الوجود العسكري المكثف لقوات أميركية في المياه الإقليمية لليمن وعلى شواطئها، وداخل أراضيها أيضا (في سبتمبر كشفت رسالة موجهة من السفارة الأميركية إلى وزارة الخارجية بصنعاء عن هذا النوع من الوجود والأنشطة العسكرية الأميركية داخل أراضي اليمن، حيث طالبت الرسالة السلطات اليمنية بالسماح باستخدام ترددات كهرومغناطيسية لتسهيل مهام وأنشطة القوات الأميركية في اليمن، وقد وجهت الخارجية بدورها رسالة بالطلب الأمريكي إلى وزارة الداخلية).
ينبغي أن نلقت هنا إلى أن أبرز العمليات التي نفذت بحق من يقال إنهم قياديون في القاعدة باليمن، جائت دائما متزامنة مع منعطفات سياسية داخل أمريكا احتاجت معها إدارة بوش، فيما يبدو، إلى تقديم إنجازات على صعيد مكافحة الإرهاب، لنيل رضى الرأي العام الداخلي، فالعملية التي أودت بحياة أبو علي الحارثي كانت قبل أيام قليلة على انتخابات الكونجرس 2002م، والعملية التي أودت بالربيعي أيضا جائت قبل شهرين فقط على انتخابات الكونغرس 2006م.
ثمة مفارقات أخرى في القضية: فمركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية نشر، عقب انتخابات سبتمبر، دارسة عن اليمن قال فيها إن أميركا لا تتوقع "عمليات استهداف لليمن" من قبل تنظيم القاعدة.
لكن أسابيع لم تمض على نشر الدراسة حتى كانت مؤسسة أميركية أخرى، هي مؤسسة التمويل الخارجي الخاص للولايات المتحدة، تعبر عن قلقها من أن مشروع الغاز المسال في اليمن، الذي تتولى هي تمويله، يمكن أن يتعرض لهجوم ارهابي على غرار الهجوم الذي تعرضت له المدمرة الأميركية كول.
المفارقة ليست فقط في تناقض المؤسسات الأميركية، بل في أمر آخر أيضا: فبعد أقل من 3أيام على إعلان مؤسسة التمويل عن قلقها هذا، وتحديدا في 7 نوفمبر الجاري، كانت وسائل الاعلام تتناقل خبرا عن ما قالت إنه بيان لتنظيم القاعدة يتبنى محاولة تفجير المنشآت النفطية في اليمن ويعلن عن نية التنظيم شن هجمات مماثلة على هذه المنشآت التي تستثمر من قبل أميركا ودول أخرى.
وهكذا فإن بيان القاعدة أتى ليكون تصديقا سريعا لمخاوف المؤسسة الأميركية، وإذا لم يكن مقبولا الحديث هنا عن "مؤامرة"، فمن المشروع طرح سؤال كبير عن السبب في انتظار القاعدة مرور قرابة شهرين كاملين على عملية المنشآت النفطية لتعلن بعد كل هذه المدة تبنيها للعملية، وفي وقت متزامن، تماما، مع إعلان مؤسسة التمويل هذه عن مخاوفها.
إلى ذلك فإن البيان المنسوب للقاعدة تناقض كليا مع مواقف وتصريحات عديدة لقياديين ومقربين من التنظيم، كانت أكدت في أوقات سابقة على أن لا خلايا للتنظيم تعمل في اليمن، مثنية في الوقت نفسه على سياسات الحكومة في التعامل مع المتهمين بالانتماء للتنظيم.
وكان "رشاد محمد سعيد اليمني"، وهو قيادي سابق في حكومة طالبان الأفغانية، قال في حوار مع صحيفة الوسط، رمضان الفائت، إن "الحكومة اليمنية لن تدخل في مواجهات مفتوحة مع المجاهدين معتبرا أن "اليمن أنضج البلدان في التعامل مع المجاهدين عندما سلكت معهم طريق الحوار" نافيا أن تكون اليمن ضمن الخطط والبرامج الاستراتيجية للقاعدة كون "أميركا ليس لها مصادر قوة في اليمن".

ليست هناك تعليقات: