الأحد، 14 فبراير 2010

لا زلنا نحتاج للجيش ولا يزال العميد يحيى مطالبا بالتواضع

العميد يحيى محمد عبد الله صالح (أركان حرب الأمن المركزي)

محمد عايش
يتعين على الذين لم يفيدوا الحكومة بشيء خلال حرب الخمس سنوات في صعدة؛ أن يتواضعوا قليلا ويلزموا الصمت حين يقرر الرئيس إيقاف القتال والتحول للسلم.
فليس منطقيا إطلاقا أن يعترض العميد يحيى محمد عبد الله صالح على إيقاف الحرب ويطالب بالاستمرار فيها وصولا للحسم العسكري.. ليس منطقيا لأنه، وهو القائد الأمني، يدرك جيدا حجم بؤس الأداء الذي حافظت عليه قوى الجيش والأمن، بما فيها التابعة للأمن المركزي، طوال المعارك الست، إنه العجز الذي لولاه، أصلا، لكانت المشكلة حسمت منذ العام 2004م ولما كنا وصلنا لما وصلنا إليه.
ما الذي فعله العميد لمصلحة المعركة الحكومية في صعدة، حتى يخرج علينا متقمصا شخصية الأمير خالد بن سلطان، ليعقد مؤتمرا صحفيا في صنعاء (وليس حتى على خطوط النار) معلنا فيه "شروطه" على الحكومة والحوثيين معا، لإيقاف الحرب؟


ليس هذا قائدا عسكريا يدرك تفاصيل واقع المعركة ليبني في ضوء ذلك قرارا بالاستمرار فيها أو بإيقافها؛ بل يبدو يحيى في موقع السياسي الوافد على اليمن من كوكب آخر، خصوصا وهو يدعو إلى عدم إيقاف الحرب إلا إذا سلم الحوثيون أنفسهم!! هل فاتت العميد يحيى أخبار مهمة يعرفها كل الناس: من نوع أن قاتل الطبيب القدسي في الحدأ لم يسلم نفسه بعد ولم تتمكن كل قوات الأمن من اعتقاله؟ أم أن لدى العميد وصفة أخرى لتحقيق إنجاز تاريخي في صعدة عجزت مؤسسته عن تحقيقه ضد فرد واحد في الحدأ؟ خصوصا ونحن نعرف أن الحوثيين لن يرسلوا أنفسهم في ظروف كاكية على عنوان الأمن المركزي كي يتم إلقاء القبض عليهم هناك.
لم يعد الأمر يحتمل السخرية، إنه لا يحتمل الرثاء أيضا، فنحن أمام حقيقتين متناقضتين تجعلان من اليمنيين مجموعة مرضى بالبَلَه المنغولي: فهناك أولا حرب أثبتت كل المعطيات العسكرية، طوال أكثر من 1800يوم، أن الحسم فيها لمصلحة الحكومة متعذر، كما تثبت كل معطيات الحياة اليومية للمواطنين، في كل مناطق اليمن، أن الجميع تضرر (وبشكل شخصي) من استمرار معاركها اليائسة بسبب ما تركته من ركود مريع في كل القطاعات الاقتصادية للبلاد.
وبالمقابل هناك الحقيقة الثانية: قيادات أمنية وأطراف سياسية تمتشق سيوفا خشبية في الوقت الضائع، لتطالب بالمزيد من الحرب، ولتُظهر أي قرار للسلم في صورة القرار الأخرق أوالمخالف لدستور البلاد وقوانينها.
كان الشيخ حسين الأحمر تولى هذا الدور عند إعلان الرئيس إيقاف الحرب الخامسة، وهو الآن صامت لأنه حتى المملكة العربية السعودية نفسها تريد إيقاف الحرب، وقد جاء العميد يحيى ليحل محل الشيخ هذه المرة، ومثلما في كل مرة فإن دعاة الحرب هم دائما من أيديهم في الماء "البارد"، ومن يعتبرون أنفسهم بعيدين عن دفع أية ضريبة جراء استمرار الصراع.
إنهم بعيدون بالفعل، ومع أن جنود العميد يحيى يشاركون في المعارك ويسقطون يوميا وتتكبد عائلاتهم كل المصائب جراء ذلك، إلا أن قائدنا الأمني لا يبدو، إطلاقا، في وارد التفكير بمسئولية تجاه تضحيات مرؤوسيه هؤلاء، والخسائر التي تتكبدها البلاد جراء استمرار الحرب.
وليس وحده غير مكترث، فالحكومة كلها لم تكترث أبدا بالاستنزاف الهائل لأرواح آلاف الجنود الذين لا يُمنحون حتى كرامة الإعلان عن أسمائهم عند استشهادهم. إنها حكومة معادية للجيش أكثر من الحوثيين أنفسهم، وإلا فكيف لم يتسن لها تقديم إحصائية واحدة لقتلى الجيش طيلة هذه الحروب، على الأقل مثلما فعلت السعودية التي ظلت تقدم الإحصائيات عن عدد جرحاها وقتلاها يوميا. وحين زار ولي العهد السعودي جرحى جيشه في مستشفياتهم هل تساءل أحد حينها كيف لم يقم الرئيس صالح بعقد أي اجتماع، مثلا، بعائلات الجنود القتلى طوال الخمس سنوات؟.
لقد ظل معظم مسئولي الحكومة يتعاملون مع أي دعوة لإيقاف الحرب على أنها "دفاع عن الحوثيين"، وكأن السلام ليس إلا مصلحة حصرية للحوثي، بينما كل شيء يقول أنه على العكس: من يستحق الدفاع عنه هنا، من خلال الدعوة للسلام، هو الجيش بعد أن تم الزج به في هذه المعركة الغلط، والتي ظل الجندي لا يدري بالضبط من هو عدوه فيها، كما وجد نفسه داخلها مكشوف الظهر ومرفوعا عنه كل أدوات الحماية والرعاية التي تقدمها حكومات العالم لجنودها، ولقد قاتل رغم ذلك باستبسال لافت ولا يقارن بنظيره السعودي، لكن خانته في الغالب الإدارة الفاشلة للحرب والحرب "الغلط" نفسها.
بإمكان العميد يحيى أن يعتبر اعتراضي عليه هنا دفاعا، بشكل أساسي، عن عائلة أحمد أحمد الآنسي التي أمضت أشهرا من الحياة على أعصابها، تحت استبداد الهلع والحزن، منذ اختفاء إبنها الجندي الشاب خلال معارك صعدة، وقد عجزت فرقته ورؤساؤه العسكريون عن تقديم أي إفادة لأبويه بشأن مصيره، هل قتل أم فقد أم أسر أم ماذا. بل لقد سخر منهما بعض القادة والضباط لأنهما يبكيان ابنهما مع أنه واحد من "مئات" المفقودين من أمثاله. وبالفعل هناك مئات الجنود الذين لا يعرف أهاليهم مصائرهم، ولا تجد قيادات الجيش والأمن أن من مسئوليتها البحث عن أي معلومات إليهم.
حماية الجيش وإخراجه من هذا المستنقع المهين، هو أكبر انتصار لنا كيمنيين، فمن يتعرض للتدمير الممنهج هنا هي هذه المؤسسة الوطنية، التي هي مؤسستنا نحن وليست إقطاعية تابعة لأي مسئول أو نافذ، وكان هذا ما يجب أن يُقنع اليمنيون به كل مسئولي النظام منذ بداية رحلة الإذلال والتنكيل في صعدة.
لقد بتنا في واقع مخيف: شعب بلا جيش، أو على الأقل نكاد نكون كذلك، والحرب التي يُفترض أنها انطلقت لصيانة سيادة الدولة انتهت بنا إلى انتظار أن يتفضل المواطنون في صعدة بالسماح لجيش هذه الدولة بالانتشار على الحدود مع السعودية.
ربما توصل الرئيس علي عبد الله صالح، وفقا لمؤشرات الأسبوع المنصرم، إلى أن هذا هو الوقت الملائم لإيقاف الحرب، وهو ما ينبغي على كل القوى السياسية دعمه فيه، وبذات القدر يفترض بالجميع التصدي لكل الدعوات التي لا تقيم لأمننا واستقرارنا، نحن كل اليمنيين وليس مواطني صعدة فحسب، أي وزن، سواء كان دعاة الحرب هؤلاء من معسكر الحكومة أو في صفوف الحوثيين.
إحسموها يا فندم يحيى مع المتمردين عليكم؛ بالوسائل السياسية، فهذا ما ينصحكم العالم كله به، وإذا كنتم لم تنجحوا في "استئصال التمرد" فعلى الأقل توقفوا عن استئصال الجيش فهناك، تَحتَكُم، شعب يحتاج إليه، دعك الآن من كونكم أيضا لا زلتم تحتاجون حمايته.

لقد قبلت حتى الولايات المتحدة الأمريكية بدعم دعوات المصالحة في أفغانستان بين كرزاي وطالبان مع أن هذه الحركة أعدى أعداء واشنطن. على أن الحوثيين هنا، في نهاية الأمر، لا يشكلون أي خطر مباشر على نظام الرئيس صالح ولا على العميد يحيى، وذلك لسبب بسيط هو أن جماعة الحوثي تقاتل بسقف مطالب منخفض جدا وبما يمنح فرصة للحكومة بالاستمرار في الحرب دون أن يتضرر منها النظام الحاكم، وذلك بعكس ما لو كان الحوثيون يتبنون دعوة لإسقاط النظام أو يرفضون الاعتراف بشرعيته كما هو حال طالبان، ولو كانوا كذلك لكانت الحكومة قد وصلت معهم إلى تسوية من زمان بهدف إسكاتهم وإرضائهم.

يدرك العميد يحيى ذلك، كما تدركه بقية نخبة الحكم إلى جانبه، ولذلك لا يجدون مانعا في استمرار الحرب ما دامت لن تقترب من مواقع حكمهم، وما دامت كلفتها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية الباهظة مقتصرة فقط على ملايين المواطنين جنودا ومدنيين. لكن أي ضمان لكرسي الحكم في الاستمرار على عرش بلاد خربة: لا جيش ولا مجتمع؟.
.............
* نشر في صحيفة "الشارع"

ليست هناك تعليقات: