السبت، 8 مايو 2010

الأهم لمكافحة الإرهاب في اليمن : فض العلاقة بين الرئاسة و"علماء الشرع"

الشيخ الزنداني .
* محمدعايش
فقط في قضايا التحديث الهامة نكتشف كم أن السلطة والمعارضة الرئيسية في البلاد؛ تصدران من عقلية واحدة.
في قضية الكوتا النسائية، أحال أمين عام الإصلاح عبد الوهاب الآنسي بالأمر إلى "علماء الشرع" باعتبارهم الجهة المعنية بمنح، أو عدم منح، الشرعية لهذا المطلب المدني.
وفي ذروة الجدل بشأن قانون "الزواج المبكر" أحال الرئيس علي عبد الله صالح، الأسبوع الماضي، بالأمر إلى نفس الجهة: "علماء الشريعة"، كي يبتوا فيه.
المؤدى الأخير لهذه الإحالات هو المزيد من تكريس التطرف الديني كمرجعية مهيمنة على شئون المجتمع وبشكل



 معترف به، وهذا هو الوجه الآخر لحكاية تحويل اليمن إلى "أفغانستان" أخرى.
فـ "علماء الشرع" المقصودون لدى صالح والآنسي هم، ببساطة، واجهات التطرف في البلاد، إذ لا يوجد أصلا "علماء شرع" غيرهم يطالبون بإحالة هذه القضايا إلى "علماء الشرع"، فالشخصيات الدينية المعتدلة التي تؤيد، مثلا، تحديد سن الزواج، هي شخصيات صامتة وهامشية وإن تحدثت فإن كلمتها لا تملك أية قيمة أمام كلمة الزنداني. (المفارقة أنه حتى أطراف الصراع الديني التقليدي إلتقوا جميعا هذه المرة، في عريضة واحدة، ضدا على قانون الزواج ، فعلماء الزيدية وقعوا جنبا إلى جنب علماء السلفية والإصلاح، رغم أن كل طرف يرى في الآخر عدوا بالفطرة).
ولأنه أيضا لا وجود لهيئة مهمتها الفصل بين وجهات النظر المعتدلة والمتشددة داخل رجال الدين؛ فإن مواقف الرئيس والآنسي ليست إلا استجابة واضحة لضغوط تيار الزنداني وتلاميذه.. إستجابة تمنح هذا التيار ما يدعيه من حق نهائي ليس في تقرير مصير حزمة من أهم قضايا التحديث؛ بل أيضا في إقامة سلطة أخلاقية وتشريعية مهيمنة وموازية لسلطة الدولة.
ثم يتحدثون عن محاربة الإرهاب، هذه القضية التي باتت أوضح ساحات النفاق والإدعاء في اليمن. فبينما كل شيء يؤكد أن مرجعيات ونافذي التيارات المتشددة يوفرون، بخطابهم وأنشطتهم؛ مظلة فضفاضة لانتحاريي القاعدة وعملياتها؛ فإن نظام الرئيس علي عبد الله صالح لم يتوقف يوما عن تدعيم نفوذهم ومدهم بأسباب القوة والتأثير الطاغي.
ولا يحتاج أحد إلى الاعتساف لإيجاد علاقة بين خطاب وأفكار الزنداني والحزمي وتيارهما؛ وبين الأفكار الكبرى التي تحرك قيادات القاعدة وانتحارييها في اليمن وخارجه. وبالإمكان قراءة الكتابات الأخيرة للحزمي لاكتشاف مدى تعذر العثور على أي خيط يفصل بين عنف الظواهري وبن لادن وعنف هذا النائب المحمي بمظلة البرلمان ومظلة السلطة والمعارضة معا.
فالنمط العقائدي المكفر لكل المخالفين، والمحرض على العنف بحق الغرب أو "عملاء الغرب" من أصحاب الرأي المحليين (طبقا لتصنيفات الحزمي) هو النمط الذي يوحد بين ناشطي القاعدة المتخفية وبين واجهات الدين الأصولي الحاضرة في صدارة الفعل والموقف في اليمن.
إنه أيضا النمط نفسه الذي قاد علي السعواني (تلميذ جامعة الإيمان الذي لا علاقة له بالقاعدة) إلى اغتيال جار الله عمر، وعثمان الصلوي (عضو القاعدة) إلى تفجير نفسه في موكب السفير البريطاني.
وكلا الرجلين، السعواني والصلوي، ليسا، في أسوء الحالات، غير مجتهدَين "أخطآ في اجتهادهما" بنظر شيخ كمحمد المهدي، الذي يبرر لناشطي الإرهاب بالقول إنهم ليسوا غير رد فعل على "المخططات الغربية".
جماعات الإرهاب ضربت اليمن في أكثر من مقتل ورشحته للانهيار أو الدخول تحت وصاية دولية، ومع ذلك، فإن أبرز جهد حكومي لمواجهة هذه الجماعات هو الجهد الذي يبذله رئيس الجمهورية في دعم سلطة الزنداني والإمام والمهدي، إنها السلطة التي تنجح يوميا في "سلْفَنَة" اليمن وتحويلها إلى "أرض ميعاد" لكل الأفكار المتطرفة، ولكل المتطرفين اليمنيين أو القادمين من مختلف جهات الريح.
ولا يتردد حلفاء الرئيس هؤلاء في التعبير عن أنفسهم بكل تشوهاتها المؤدية مباشرة إلى جرائم تعصف باستقرار البلاد وأمنه وسيادته.
فقبل أن تفخخ القاعدة موكب السفير البريطاني بلغم بشري، كان الشيخ الزنداني خلال الأشهر القليلة الماضية، وفي مواقف لا علاقة لها بمجرد التعبير عن رأي سياسي؛ قد شن حملة تحريض مكثفة ضد بريطانيا تحديدا.
في مؤتمر لحزب الإصلاح بمنطقة أرحب، ديسمبر الماضي، دعا الزنداني وسط حشود من المؤيدين، "شباب اليمن" إلى التصدي لما قال إنها محاولات بريطانية للعودة إلى إستعمار اليمن، معتبرا أن ما يحدث في الجنوب هو نتاج مساع بريطانية لفصل الجنوب عن الشمال بهدف التمهيد لعودة الإستعمار.
وفي يناير عاد ليقول، ضمن تصريحات صحفية، إن هناك مخططًا أمريكيًّا وبريطانيًّا بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) لاحتلال اليمن من خلال مؤتمر لندن عبر إرسال قوات لليمن ووضعه تحت الوصاية.
وليست هذه شعارات سياسية لزعيم يحاول كسب تأييد شعبي لخوض انتخابات ما؛ إنها فتاوى يعرف الزنداني، ونعرف جيدا، أن هناك من يتعامل معها حرفيا وينفذها دون الحاجة إلى تواطئ أو تورط مباشر من رئيس جامعة الإيمان أو غيره من المفتين.
سيكون مجديا بشكل أفضل البحث عن أهم المصادر التي يتغذى عليها الإرهاب لدينا في طبيعة سياسات الجمهورية اليمنية وتحالفاتها غير النزيهة مع التيارات الدينية. وقضايا قد تبدو ثانوية كقضية "الزواج المبكر" تصلح كشاهد على الحرية والأريحية المطلقة التي تعيشها أسوأ تعبيرات العنف والإرهاب في اليمن.
...............
*نشر في صحيفة الشارع

ليست هناك تعليقات: